بقلم: ليانغ سوو لي
إعلامية صينية
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها قطاع الطاقة العالمي، واستمرار النزاعات الجيوسياسية، وتصاعد تحديات التغير المناخي، برزت قضايا أمن الطاقة والتحول الأخضر كهمٍّ مشتركة يواجهها جميع دول العالم. وفي هذا السياق، قدّمت الصين حلولًا عملية ورؤى مبتكرة، مدعومة بإنجازات ملموسة، لإدارة قطاع الطاقة على المستوى الدولي.
وخلال فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025)، حققت الصين نتائج لافتة؛ إذ حافظت على استقرار إمدادات الطاقة، وسرّعت وتيرة التحول نحو الطاقة النظيفة، وسجلت اختراقات مهمة في الابتكار التكنولوجي، ما منح منظومة الطاقة العالمية قدرًا أكبر من اليقين والثقة، وفتح آفاقًا جديدة أمام الدول النامية، بما في ذلك دول الشرق الأوسط.
أمن الطاقة: ركيزة التنمية واستقرار الأسواق
يُعد أمن الطاقة حجر الزاوية في مسيرة التنمية الوطنية. وخلال هذه الفترة، اعتمدت الصين استراتيجية تقوم على تعزيز الاكتفاء الذاتي وتطوير قدرات الإمداد المستقرة. ففي عام 2024، تجاوز إنتاج الكهرباء في الصين 10 تريليونات كيلوواط/ساعة، أي ما يقارب ثلث الإنتاج العالمي، فيما بلغ إنتاج الطاقة نحو 5 مليارات طن من الفحم المعياري، ما يمثل أكثر من خمس الحصة العالمية.
ورغم الارتفاع المتواصل في الطلب، حافظت الصين على معدل اكتفاء ذاتي في الطاقة تجاوز 80%، وهذا وفّر دعمًا قويًا لاستقرار الاقتصاد والمجتمع. ففي صيف 2024، تخطّى استهلاك الكهرباء الشهري حاجز تريليون كيلوواط/ساعة للمرة الأولى، وهو ما يعادل إجمالي استهلاك اليابان طوال عام كامل، ومع ذلك ظلّت الإمدادات مستقرة وآمنة.
ويرجع هذا النجاح إلى بناء منظومة متكاملة للإنتاج والنقل والتخزين والتوزيع، فضلًا عن إنشاء ممرات كهربائية بين الأقاليم وأربع قواعد للطوارئ، مما عزّز القدرة على مواجهة الظروف المناخية القاسية واستعادة الإمدادات بسرعة. وبذلك، لم تكتفِ الصين بتأمين أمنها الطاقي، بل أصبحت أيضًا صمام أمان مهمًا لسوق الطاقة العالمي
التحول الأخضر: مسؤولية دولة كبرى
إلى جانب ضمان أمن الطاقة، تواصل الصين تسريع تحولها نحو الطاقة الخضراء منخفضة الكربون، بما يجسد دورها كقوة مسؤولة عالميًا. فقد أنشأت الصين أكبر منظومة للطاقة المتجددة في العالم وأسرعها نموًا؛ حيث ارتفعت نسبة الطاقة المتجددة في القدرة المركبة من 40% إلى نحو 60%. كما تجاوزت القدرة المركبة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية باستمرار 100 مليون، 200 مليون، ثم 300 مليون كيلوواط، ومن المتوقع أن يتخطى معدل استهلاك الطاقة غير الأحفورية الهدف المحدد في الخطة الخمسية الحالية البالغ 20%.
وفي عام 2024، شكّلت مصادر الطاقة الخضراء ثلث الكهرباء المستخدمة في الصين. كما ساهمت صادرات الصين من منتجات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، خلال هذه الفترة، في خفض الانبعاثات العالمية بنحو 4.1 مليار طن من الكربون، ما يمثّل مساهمة كبيرة في تحقيق أهداف الذروة الكربونية والحياد الكربوني عالميًا.
التعاون الدولي: من الشرق الأوسط إلى العالم
لم تقتصر جهود الصين على الداخل، بل عززت التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، عبر مشروعات متنوعة مثل محطات الطاقة الشمسية في صحارى الشرق الأوسط، ومشروعات الرياح في آسيا الوسطى، والحلول المتكاملة لـ”الطاقة الشمسية + مياه الشرب المباشر” في كيريباس. هذه المشروعات لم تنقل التكنولوجيا والمعدات فحسب، بل قدّمت أيضًا خبرات إدارية وتقنية متكاملة لإدارة الطاقة المستدامة، بما يلبي احتياجات كل دولة.
الابتكار التكنولوجي: المحرك الخفي للتحول
هذا التحول لم يتحقق بتكاليف باهظة، بل جاء نتيجة ثورة ابتكارية جعلت التنمية عالية الجودة ممكنة. فقد حافظت الصين على ريادتها في تقنيات الطاقة الجديدة، مسجلة أرقامًا قياسية في كفاءة التحويل الكهروضوئية وسعة توربينات الرياح البحرية. وحتى منتصف العام الجاري، بلغت القدرة المركبة للتخزين الحديث نحو 95 مليون كيلوواط، بزيادة قدرها 30 ضعفًا خلال خمس سنوات، وهو ما يشبه تزويد الشبكة الكهربائية بـ”بنك طاقة عملاق”.
كما دخلت مشروعات كبرى حيز التشغيل، من محطة بايختان للطاقة الكهرومائية إلى وحدات الجيل الثالث من الطاقة النووية “هوالونغ-1” والمفاعلات المبردة بالغاز عالية الحرارة من الجيل الرابع، مما عزّز قدرة الصين على ضمان أمن الطاقة ورفع مستوى سلاسل التصنيع. كذلك أحدثت تقنيات الهيدروجين والذكاء الاصطناعي نقلة نوعية، مع بروز نماذج مبتكرة مثل المحطات الافتراضية والتكامل بين الشبكات والسيارات، مما جعل قطاع الطاقة ركيزة أساسية لتنمية القوى الإنتاجية الجديدة.
نحو مستقبل طاقي عالمي أكثر عدالة واستدامة
تواصل الصين بناء منظومة طاقة حديثة، مع توسيع التعاون الدولي في مجالات مثل التخزين، والهيدروجين، والشبكات الذكية، بهدف صياغة نظام عالمي للطاقة أكثر عدالة وشمولًا واستدامة. وبالنسبة لدول الشرق الأوسط والدول النامية، تبدي الصين استعدادها لتبادل خبراتها في التحول الأخضر، والمساهمة في تنويع مزيج الطاقة وتحقيق التنمية المستدامة.
انطلاقًا من رؤية مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، ستواصل الصين التزامها بمبادئ التشاور والتشارك والتكامل، والعمل مع جميع الدول لإعادة تشكيل منظومة حوكمة الطاقة العالمية، والإسهام في حماية كوكبنا المشترك وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، وبناء عالم أنظف وأكثر جمالًا.











