اراء ومقالات

أزمة منتصف الكاتب

بقلم: رغد المعلم

يقول أحد الكُتّاب: ‏ما بال قلمي لا يضيء إلا بنار روحي ووقد ضميري؟
‏سؤال يجسد حالة الجمود التي تصيب معظمنا، لكنه أنهى النص دون أن يمنحنا حلاً لهذه الأزمة، مما دفعني للتفكر والبحث عن إجابة.
‏ يعجز الإنسان أحيانًا عن الكتابة رغم امتلاكه حصيلة لغوية ثرية وقدرة فائقة على التعبير، يمسك قلمه، يحدق في تلك الصفحة البيضاء، ويقف حائرًا؛ لا يدري من أين يبدأ لعل الأفكار التي في رأسه متشابكة، غير مترابطة، فلا يعلم أين البداية وكيف يملأ تلك الأسطر بعبارات خالدة، كيف ينسج ذلك النص؟
‏هل سمعتم يوماً عن “قفلة الكاتب”؟ يتحدث عنها الكثيرون في المقالات والمواقع، لكن نادرًا ما يجرؤ أحد الكتاب على الوقوف أمام جمهوره ليعترف بها؛ إنها أزمة حقيقية تصيب أكثر من نصف الكتاب، وتتركهم عالقين بين الفكرة والقلم.
وأنا هنا، كاتبتكم المتواضعة، أحدثكم عن هذه القفلة، عن أسبابها، عن آثارها، والأهم.. كيف نتجاوزها؟ لنوقد أقلامنا، وننطلق من جديد.

لماذا يتعرض الكاتب للجمود؟
قفلة الكاتب تلك الحالة التي تصيبه فجأة فيتجمّد فيها قلمه، وتتبعثر حروفه، وتتشابك أفكاره، فلا يعود قادراً على الكتابة، ولهذا أسبابٌ عديدة:
1- فقدان الدافع والرغبة في الكتابة:
قد يفقد الكاتب شغفه بالكتابة، وهي من المؤكد حالة وجدانيّة مؤقتة وعابرة، تأتي على الإنسان لحظةٍ ينطفئ فيها فلا يعود قادرًا على ممارسة هوايته المفضلة “الكتابة”، أو عمله “كاتب محتوى”، ولا يستطيع التصريح بذلك، فخسارة حروفه سينجم عنها الكثير من المشاكل والأزمات، وهنا معنى الضياع.
2- التكرار أو الملل:
هي حالة طبيعية خاصةً لمن يمارس الكتابة بشكل يومي، يشعر أن حصيلته اللغوية قد فرغت بشكلٍ أو بآخر، وقدرته على التعبير منتهية تماماً، فيصيبه الملل ويبتعد.
3- الضغوط الخارجية:
قد تكون ضغوطاً بسبب الظروف المحيطة بالكاتب، أو ضغوطاً مهنية بسبب أوقات التسليم الصارمة، أو حتى ضغوطاً اجتماعية بسبب توقعات القراء.

4- التحولات الحياتية:
وهي تحولات عميقة قد تقلب حياته رأسًا على عقب، وتزعزع ثقته وثبات قلمه، لذا من الطبيعي أن تهتز الحروف، وتتبعثر الأوراق وفقًا للظروف الراهنة للكاتب.
5- الإحساس بفقدان الهوية الإبداعية أو الشك في القدرات:
يواجه الكاتب في هذه المرحلة شعورًا بالضياع، والانفصال عن هويته الإبداعية، فيبدأ في التشكيك بقدراته، وطرح التساؤلات حول قدرته الإنتاجية، ونتيجةً لذلك يفقد حافز الكتابة ويشعر بعدم القيمة.

من الجمود إلى الإبداع: استراتيجيات التعامل مع أزمة منتصف الكاتب
يُقال إن الاعتراف بالمشكلة هو أول طريق لحلها، وهذا ينطبق تمامًا على قفلة الكاتب، فمجرد إدراكه لها ورغبته الحقيقية في تجاوزها يعني أنه قطع نصف الطريق نحو العودة إلى الكتابة:
1- التجديد والابتكار:
الكاتب بطبيعة الحال يجب أن تتنوع نصوصه، ما بين الأدبي والنقدي والقصصي وغيره، والكتابة خارج السياق المتعارف عليه، قد يكون حلاً مجديًا لتلك القفلة، فبها يظهر الإبداع المكنون، وينطلق القلم الساكن.
2- الاستراحة الواعية:
تعد استراتيجية الاستراحة والابتعاد عن الساحة، استرخاء القلم، وصفاء النفس، حلاً لاستعادة ذلك الشغف الذي قد يشتعل فجأة في لحظة إلهامٍ غير مقصودة.
3- الانضباط اليومي:
بعكس الاستراحة، قد تكون مزاولة الكتابة بشكلٍ يومي حلاً فعالاً، وتخصيص وقت محدد للكتابة حتى ولو كان النص غير قابل للقراءة، فالممارسة المنتظمة تكسر حاجز الجمود.
4- التغذية والتواصل:
استكشاف كل ما هو جديد في عالم الكتابة، زيادة الحصيلة اللغوية، التعمّق في المفردات ومعانيها، استشفاف الإبداع من خلال التواصل وتبادل الأفكار وتلقّي النصائح.
5- العودة للبدايات:
عزيزي الكاتب كُن ممتنًّا لتلك القدرة الممنوحة من الله، وفي طريقك لا تنسى أن تحمده على تلك الهبة، وتذكر لماذا بدأت الكتابة، ارجع إلى كتاباتك الأولى، تأملها، استعد تلك المشاعر، فقد تجدُ فيها شرارة جديدة.

في النهاية أزمة منتصف الكاتب ليست إلا مرحلة عابرة، ومحطة مؤقتة، وبداية لانطلاقة جديدة، قد تبدو خانقة ومقلقة، لكنها في الحقيقة فرصة لإعادة اكتشاف الذات والبحث عن زوايا جديدة في عالم الكتابة، والأهم هو ألا يستسلم الكاتب لهذه المرحلة، بل يتعامل معها بوعي وهدوء، متذكرًا أن الحروف قد تتعثر أحيانًا، لكنها لن تضيع أبداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى