دنيا ودين

من روائع القصص : عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه

كتبت : د. ميرفت إبراهيم

عمرو بن العاص رضي الله عنه، هو أبو عبد الله عمرو بن العاص السهمي القرشي الكناني، كان عمرو من سادة قريش في الجاهلية، فأبوه هو العاص بن وائل السهمي، وكان يحترف التجارة، فقد كان يسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة. كما كان من فرسان قريش. أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة، ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده. حضر عمرو بن العاص غزوة بدرٍ مع قريش ضد المسلمين، ثم حضر غزوة أحُد، ثم غزوة الخندق. ولما عادت قريش إلى مكة بعد صُلح الحديبية ذهب إلى الحبشة عند النجاشي، فوجده اعتنق الإسلام، فاعتنق الإسلام هناك على يد النجاشي في السنة الثامنة للهجرة، ثم أخذ سفينةً متجهًا إلى المدينة المنورة، فالتقى في الطريق بخالدٍ بن الوليد وعثمان بن طلحة، فدخل ثلاثتهم المدينة المنورة في صفر عام 8 ه معلنين إسلامهم. وحينها قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها». بعد إسلامه أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سريةٍ إلى ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة 8 ه، ثم في سريةٍ أخرى لهدم صنم سواع في رمضان سنة 8 ه، بعد فتح مكة. وفي شهرٍ ذي الحجة سنة 8 ه، بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملكَيٍ عمان بكتابٍ يدعوهما إلى الإسلام، وبعد إسلامهم عينه النبي الكريم واليًا على الزكاة والصدقات بها، وظل هناك سنتين تقريبًا حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . استعمله أبو بكر قائدًا عسكريًا في حروب الردة، ثم وجهه لفتح فلسطين على رأس ستة أو سبعة آلاف مقاتلٍ. فبدأ المناوشات في فلسطين، والتقى تحت قيادة خالد بن الوليد في معركة أجنادين، وشارك في معركة فحلٍ وحصار دمشق، وكان على رأس الميمنة في معركة اليرموك. ثم فتح سبسطية ونابلس، واللد ونواحيها ويَبْنَى وعمواس وبيت جبريين، ثم هبط جنوبًا ففتح رفح، وعسقلان، وكان قد فتح غزة في عهد أبي بكر، وحاصر قيسارية، وبدأ حصار بيت المقدس ثم انضم إليه أبو عبيدة بن الجراح، فأصبح تحت قيادة أبي عبيدة. ولما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلفه عمر بن الخطاب على الشام. عرض عمرو على الخليفة عمر بن الخطاب فتح مصر وطلب السماح له بالمسير إليها، فسار إليها ففتح العريش، حتى وصل إلى الفَرَما، ثم سار إلى بلبيس، وفتح خلال سيره سنهور وتنيس. وطلب من عمر المدد فأرسل له فرقة بقيادة الزبير بن العوام، وسيطروا على إقليم الفيوم. وعسكر في عين شمسٍ، جرت معركة عين شمسٍ، وحاصر حصن بابليون حتى سقط في أيديهم في 21 ربيع الآخر 20 ه، وأعطى أهل مصر الأمان. ثم ذهب لفتح الإسكندرية، وحاصرها وانتهى باتفاق صلحٍ، وخرج منها البيزنطيون في 1 محرمٍ 21 ه، وأعطى أهلها الأمان. وأصبح عمرو أول والٍ مسلمٍ على مصر، وأنشأ مدينة الفسطاط، وبنى فيها أول جامعٍ في مصر عرف باسمه لاحقًا. عزله الخليفة عثمان بن عفان عن ولاية مصر سنة 24 ه، وبعد مقتل عثمان طالب بالثأر لدمه، وكان في صف معاوية بن أبي سفيان، وأحد قادة قواته في وقعه صفين، وممثل طرف معاوية في التحكيم بعد المعركة. وتولى ولاية مصر مرةً أخرى في عهد معاوية. عرف عمرو بن العاص بالدهاء والذكاء والفطنة قبل الإسلام وبعده، حتى وصف بأدهى العرب أو «داهيةٍ العرب». كما اشتهر عمرو ببلاغته وفصاحته، ورصانة شعره، وله من الخطب الكثير. وروى عددًا قليلًا من الأحاديث النبوية تبلغ حوالي أربعين، ويذكر الجميع قصة المسيحي المسلم الذي ضربه ابن عمرو بن العاص على رأسه فذهب شاكيًا إلى الخليفة عمر بن الخطاب فاستدعى عمرو بن العاص إلى المدينة وأمر المسيحي أن يضرب عمرو بن العاص وقال قولته الخالدة متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا” وفاته:

توفي ليلة عيد الفطر 1 شوال سنة 43 ه في مصر وله من العمر 88 سنةٍ، ودفن قرب المقطم. ونقل عن وفاته: أنه بكى طويلًا عند احتضاره، فجعل ابنه يقول: «يا أبتاه، أما بشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟» قال: فأقبل بوجهه فقال: «إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاثٍ: لقد رأيتني وما أحد أشد بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أبسط يمينك لأبايعك، فبسط يمينه قال: فقبضت يدي، قال: “ما لك يا عمرو؟” قال: قلت: أردت أن اشترط. قال: “تشترط بماذا؟” قلت: أن يغفر لي. قال: “أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله” . وما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحةً، ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنَّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جزور ويقسّم لحمُها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع رسل ربي». صُليت عليه صلاة الجنازة بعد صلاة عيد الفطر، فغدا ابنه عبد الله حتى إذا برز به وضعه في الجبّانة حتى انقطعت الأزقة بالناس، حتى قيل: « لم يبق أحدٌ شهد العيد إلا صلى عليه ودفنه». واختُلف في مكان قبره، وذكر صاحب كتابٍ «المزارات المصرية» أن قبره غربي قبل الإمام الشافعي، فيما يعرف بمقابر قريش. ويبدو أن أثره فُقد. وذكر ابن الزيات أن ابن العاص وعقبة بن عامرٍ الجهني في قبرٍ واحدٍ، وقيل معهم أبو بصرة الغفاري عليهم جميعًا رحمةً من الله وفضله وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، هم السابقون ونحن اللاحقون الله اجعلنا معهم في الجنة.

MervatQa@
mervat_ibrhaim

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى