مصر في مواجهة التحديات: ضرورة الوحدة الوطنية وتحصين التعليم من الاضطرابات
بقلم : الخبير والمفكر التربوي
الدكتور ناصر الجندي
تمر مصر حاليًا بمرحلة استثنائية تتطلب أعلى درجات الوعي الوطني والتكاتف الشعبي. فبينما تتزايد المؤامرات الإقليمية والدولية التي تستهدف أمننا القومي، وتتعقد الأوضاع السياسية والأمنية في جوارنا الإقليمي، تواجه مصر تحديات داخلية لا تقل خطورة عن تلك الخارجية.وفي هذا السياق، يصبح لزامًا علينا كمجتمع، بكل فئاته ومؤسساته، العمل على تجاوز الخلافات الشخصية وتنحية النزاعات النفسية والاضطرابات التي تعطل مسيرة العمل والإنتاج، خصوصًا في قطاع التعليم، الذي يمثل حجر الزاوية في بناء وعي الأجيال القادمة.*أولًا: التحديات الخارجية وأثرها على مصر**1. المؤامرات على الأمن القومي*لم يكن الحديث عن المؤامرات ضد مصر مجرد ادعاءات، بل هو واقع تدعمه التطورات الإقليمية. ومع نقل مجموعات من الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، والتوترات المستمرة على الحدود الغربية، يبدو واضحًا أن هناك محاولات لإعادة إشعال جبهات جديدة ضد مصر. الهدف ليس فقط إضعاف الدولة المصرية، بل زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.*2. التحديات الإقليمية وتأثيرها على الداخل*الأزمات في المنطقة ليست بعيدة عن الداخل المصري. الأحداث في ليبيا والسودان تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، حيث تتشابك المصالح الدولية والإقليمية، ما يزيد من تعقيد المشهد. هذه التطورات تتطلب يقظة مستمرة واستعدادًا أمنيًا قويًا للتصدي لأي محاولات تستهدف الداخل المصري.*ثانيًا: التحديات الداخلية وأهمية الوحدة الوطنية**1. التماسك الداخلي كخط دفاع أول*في ظل هذه الظروف، تصبح الوحدة الوطنية ضرورة قصوى. لا يمكن لمصر أن تواجه المؤامرات الخارجية دون أن تحقق استقرارًا داخليًا يعتمد على نبذ الخلافات والعمل بروح الفريق الواحد. الانقسامات الصغيرة، سواء في مجال العمل أو في الحياة الاجتماعية، تفتح ثغرات يمكن لأعداء الوطن استغلالها.*2. الخلافات داخل المؤسسات وتأثيرها السلبي*الخلافات في مجال العمل، خصوصًا في القطاعات الحيوية مثل التعليم، تمثل عائقًا أمام تحقيق التقدم المطلوب. فبدلًا من التركيز على بناء المستقبل، تنشغل بعض المؤسسات بصراعات داخلية تعطل مسيرة العمل، وتؤثر على جودة الأداء. في هذه المرحلة الحرجة، يجب أن يكون هناك وعي بأن الخلافات الشخصية، والاضطرابات النفسية التي تعكر صفو بيئة العمل، لا مكان لها في سياق بناء الوطن.*3. أهمية تنحية الاضطرابات النفسية في مجال التعليم*يمثل التعليم حجر الزاوية في تشكيل وعي الأمة. ومع ذلك، فإن أي اضطرابات نفسية أو شخصية داخل المؤسسات التعليمية تعوق الدور المحوري لهذه المؤسسات. عندما تتفوق الأزمات النفسية على روح التعاون، تتراجع جودة العملية التعليمية، ويفقد الطلاب الفرصة للحصول على بيئة تعليمية سليمة تُحفّزهم على النمو والتقدم. لذلك، يصبح لزامًا على العاملين في التعليم، من معلمين وإداريين، تنحية أي اضطرابات نفسية أو شخصية جانبًا، ووضع المصلحة الوطنية والتعليمية في المقدمة.*ثالثًا: التعليم كخط دفاع فكري وأداة للوحدة الوطنية**1. دور التعليم في بناء الوعي الوطني*التعليم ليس مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو أداة رئيسية لتشكيل وعي المجتمع. في هذه المرحلة، يحتاج الطلاب إلى تعليم يعزز قيم الانتماء الوطني ويُفهمهم خطورة التحديات التي تواجه بلادهم.المعلمون هم العنصر الأهم في هذه المعادلة، حيث تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في نقل صورة واضحة للطلاب عن أهمية التكاتف الوطني، وضرورة العمل الجماعي لمواجهة التحديات.*2. تنحية النزاعات داخل المؤسسات التعليمية*لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تبدأ المؤسسات التعليمية بنفسها، عبر تصفية الأجواء بين العاملين فيها. الصراعات الشخصية، أو النزاعات الإدارية، أو الاضطرابات النفسية التي تؤثر على أداء العاملين في الحقل التعليمي، يجب أن تُستبدل بروح تعاون حقيقية. لا يمكن لمؤسسة تعليمية أن تُخرج جيلاً واعيًا إذا كانت مشحونة بالخلافات الداخلية.*3. الأنشطة المدرسية ودورها في الوحدة الوطنية*تُعد الأنشطة المدرسية وسيلة فعالة لتعزيز الروح الوطنية. يمكن أن تركز هذه الأنشطة على برامج توعية للطلاب حول تحديات الأمن القومي، ودور كل فرد في حماية بلاده، بالإضافة إلى تنظيم فعاليات تُرسخ مفهوم العمل الجماعي.*رابعًا: خطوات عملية لتجاوز المرحلة الحرجة**1. على مستوى الدولة** تعزيز الخطاب الإعلامي الوطني الذي يُظهر للشعب خطورة التحديات الراهنة، دون تهوين أو تهويل.* تكثيف الجهود الأمنية على الحدود، خاصة مع ليبيا، لمنع تسلل الإرهابيين أو تهريب الأسلحة.* إطلاق مبادرات وطنية تُشرك جميع فئات المجتمع في مواجهة التحديات، بما يعزز الشعور بالمسؤولية الجماعية.*2. على مستوى المجتمع** نبذ الخلافات الشخصية والعمل على تعزيز التعاون داخل المؤسسات، خاصة في القطاعات الحيوية كالتعليم.* تنظيم حملات توعية داخل المدارس والجامعات لشرح طبيعة المرحلة الحالية والتحديات التي تواجه مصر.* دعم المؤسسات التعليمية في تنفيذ برامج لبناء الوعي الوطني لدى الطلاب.*3. على مستوى التعليم** تدريب المعلمين على كيفية تقديم المناهج بطريقة تربط بين المادة العلمية والتحديات الوطنية.* إعداد دليل للأنشطة المدرسية يركز على تعزيز قيم الولاء والانتماء، مع تنظيم لقاءات بين الطلاب ومسؤولين حكوميين لشرح طبيعة المرحلة.* التأكيد على أن المدارس ليست فقط أماكن للتعليم، بل مراكز لبناء الشخصية الوطنية.*الخلاصة*تمر مصر بمرحلة حرجة تتطلب من الجميع تجاوز الخلافات والتركيز على مواجهة التحديات. الوحدة الوطنية ليست شعارًا بل ضرورة وجودية، خصوصًا في ظل تصاعد المؤامرات على أمننا القومي.وفي هذا السياق، يصبح التعليم هو الجبهة الأولى لحماية المجتمع، حيث يمكن من خلاله غرس قيم التعاون والوعي بخطورة المرحلة. إن المعلمين والإدارات التعليمية هم الجنود الذين يعززون هذه القيم، ولا مكان للاضطرابات أو الخلافات داخل هذا القطاع الحساس.إذا نجحنا في تحقيق وحدة داخلية صلبة، ونبذنا الخلافات النفسية والشخصية، وعملنا بروح الفريق الواحد، ستظل مصر قادرة على تجاوز كل العقبات، وستبقى كما كانت دائمًا صامدة أمام كل المؤامرات.