كتبت: فاطمة بدوى
منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 واشتعال فتيل التوترات بساحات متعددة في منطقة الشرق الأوسط، دعت الصين بصوت عقلاني وباستمرار، إلى وقف إطلاق النار مع بذل أقصى الجهود لتحقيقه.
ويظل موقف الصين ثابتا وحازما تجاه القضية الفلسطينية ولم يتغير أبدا لعقود، ألا وهو ضرورة تحقيق وقف حقيقي وشامل ودائم لإطلاق النار، وتأييد مبدأ “حكم الفلسطينيين لفلسطين”، ودعم تطبيق حل الدولتين، والعمل مع المجتمع الدولي على إيجاد تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية.
ومن خلال موقفها الداعم ومساهماتها الفعالة في بناء توافق دولي، لم تحظ الصين بحلولها ومفاهيمها وصورتها السلمية بإشادة كبيرة من دول الشرق الأوسط فحسب، بل حظيت أيضا بتأييد واسع النطاق من المجتمع الدولي.
— “موقف مبدئي ثابت لا يتغير”
بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولى ودولة كبرى مسؤولة، لم تغب الصين قط عن تعزيز جهود التوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية.
وأصدرت الصين تصريحات في أكثر من مائة مناسبة مختلفة في الأمم المتحدة، معربة عن دعمها الثابت للقضية الفلسطينية منذ اندلاع هذه الجولة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وفي العام 2025 وحده، دافعت الصين عن القضية الفلسطينية قرابة 30 مرة في مجلس الأمن الدولي.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، المفوض العام للعلاقات العربية والصين الشعبية عباس زكي إن “الصين كانت بموقفها المبدئي الثابت الذي لا يتغير مع الأيام، صاحبة موقف واضح تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.
وأضاف زكي في مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) أن “الصين لم تدخر جهدا في دعم حق العودة وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية، وكان لها أثر كبير من خلال دعواتها المتواصلة وطرحها مقترحات عملية من أجل وقف الحرب”.
وفي 13 أكتوبر 2023، أي بعد أسبوع من اندلاع الصراع، عند أول مشاورة طارئة في مجلس الأمن الدولي، كان صوت الممثل الصيني حازما وقويا، إذ أكد أن الوسائل العسكرية ليست سبيلا لحل الصراع ويكمن الحل الجذري في “الاستئناف المبكر لمحادثات السلام الحقيقية”، لإعمال الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني وتحقيق التعايش السلمي بين دولتي فلسطين وإسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف دعوات الصين وجهودها لتعزيز السلام.
وفي سبتمبر 2024، قدمت الصين اقتراحا من أربع نقاط في اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في الشرق الأوسط. وفي يوليو 2025، طرحت الصين خمسة اقتراحات خلال مؤتمر دولي حول حل الدولتين في الأمم المتحدة، وحثت المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ملموسة لحل القضية الفلسطينية سلميا وتنفيذ حل الدولتين.
وخلال جولة الصراع الحالية، استمرت الصين في تقديم دعمها السياسي والإنساني والاقتصادي رغم الظروف المعقدة، بحسب الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني سليمان بشارات.
وقال بشارات إن “هذه الثباتية تتجلى في دعم الصين لفلسطين على الساحة الدولية وخاصة في الأمم المتحدة”.
وأوضح قائلا إن “الصين لم تفشل أبدا في دعم أي قرار دولي يعزز حقوق الفلسطينيين، وحتى القرار الأخير الذي دعم خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في غزة، لم تعارضه الصين، بل على العكس، دعمت القرار وقدمت مسودات أخرى”.
ولم تقتصر جهود الصين على الأمم المتحدة فحسب، بل امتدت لتشمل الاجتماعات الثنائية بين القادة الصينيين والأجانب، وكذلك من خلال المنصات متعددة الأطراف مثل منتدى التعاون الصيني-العربي، ومنتدى التعاون الصيني-الإفريقي، ومجموعة العشرين، ومنظمة شانغهاي للتعاون، ومجموعة البريكس، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إذ دعت الصين مرارا إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وقدر عباس زكي موقف الصين ومساهماتها، معتبرا أنه موقف “ملىء بالصدق والالتزام بالعدالة ومثال إيجابي يحتذى به في الدبلوماسية الدولية”، وأكد أن “هذه البادرة تعزز من دور الصين كشريك موثوق في المجتمع الدولي، وتشجع الدول الأخرى على اتباع نهج مشابه، مما يسهم في بناء توافق دولي أوسع حول قضيتنا”.
إن دعم الصين يتجاوز مجرد الكلام، ويتجلى في أفعال ملموسة، إذ قدمت الصين دفعات متعددة من المساعدات الإنسانية لفلسطين. وفي ديسمبر 2025، أعلنت مرة أخرى تقديم 100 مليون دولار أمريكي من المساعدات إلى فلسطين للتخفيف من حدّة الأزمة الإنسانية في غزة، ولدعم التعافي وإعادة إعمار القطاع.
إضافة إلى ذلك، وتلبية لدعوة من الجانب الصيني، أجرى ممثلون رفيعو المستوى عن 14 فصيلا فلسطينيا للمرة الأولى حوارا للمصالحة في بكين في يوليو 2024، حيث وقعت الفصائل الفلسطينية على إعلان بكين الذي تعهدوا فيه بإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة.
وقال عبد المهدي مطاوع “أعتقد أن الصين أظهرت حكمة واسعة في التعامل مع الحرب التي دامت عامين في غزة، فقد قدمت دعما إنسانيا واسع النطاق، إلى جانب محاولاتها تحقيق الهدوء ووقف الحرب من خلال دبلوماسيتها”.
وأضاف أن “السياسة الصينية معروفة دائما بسعيها للحوار والسلام، وتعزيز المفاوضات والجلوس إلى طاولة النقاش”.
وأشار إلى أنه في مواجهة رعونة الولايات المتحدة خلال حرب غزة والموقف المتحيز لبعض الدول لصالح إسرائيل، كان موقف الصين واضحا، وتبنى العديد من الدول لاحقا موقف الصين نفسه.
ولفت مطاوع إلى أن “السياسات الصينية كانت مشجعة للدول الأخرى على اتخاذ مواقف مماثلة، مما أسهم في تحقيق الهدوء ووقف إطلاق النار في غزة، وهو ما أثبت أن الصين تمتلك رؤية أفضل بشأن هذه الحرب”.
وتعد القضية الفلسطينية جوهر قضايا الشرق الأوسط، والتسوية الشاملة والعادلة لها تؤثر على الاستقرار والسلام الإقليميين، وفي غياب الاستقرار في الشرق الأوسط، سيكون من المستبعد تحقيق السلام في العالم. وتؤكد الصين بشدة أن السبيل الوحيد القابل للتطبيق لحل القضية الفلسطينية هو حل الدولتين.
ولكن مسار السلام في الشرق الأوسط انحرف منذ فترة طويلة عن المسار الصحيح، وتعرضت أسس حل الدولتين للتقويض باستمرار، حتى أن البعض يدعي أن حل الدولتين قد “انتهى”.
ومع ذلك، تصر الصين على أن المخرج للصراعات الإسرائيلية الفلسطينية المتكررة يكمن في العودة إلى حل الدولتين، وتعرب عن دعمها وترويجها لـ”حل الدولتين” في كل مناسبة.
وانسجاما مع هذه الرؤية، ظهرت موجة من الاعترافات بدولة فلسطين على الصعيد العالمي في العام 2025، حيث أعلنت أكثر من 20 دولة، ومن بينها دول غربية كفرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وإسبانيا والبرتغال، اعترافاتها بدولة فلسطين على التوالي، وهو ما اعتبر بمثابة تأييد ودعم لـ”حل الدولتين”.
وفي رأي المراقبين والمحللين، لو لا جهود الصين في بناء التوافق الدولي خلال السنوات الماضية، لما كان التقدم الأخير في القضية الفلسطينية.
— “عامل استقرار” للسلام
تلتزم الصين بمبادئها ومواقفها ليس في القضية الفلسطينية فحسب، ولكن أيضا فيما يتعلق بقضايا المنطقة الأخرى كملف إيران النووي، والاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، والوضع في اليمن، والصراع السوداني، والأزمة السورية، إذ تشدد الصين باستمرار على احترام السيادة، وتعزيز حوار السلام، ودعم الإنصاف والعدالة.
وترى دول الشرق الأوسط عموما الصين كـ”عامل استقرار” للسلام في المنطقة، وذلك بفضل التزامها بموقف موضوعي عادل ونزيه في شؤون المنطقة، ودعمها المصالحة، وتقديم مساهمات بناءة لتعزيز السلام والاستقرار فيها.
وتعمل الصين كـ”حلقة وصل بين الدول العربية والقوى العالمية”، وهي بذلك تسهم في بناء قنوات حوار مستدامة تهدف إلى تهدئة التوترات الإقليمية وتحقيق الاستقرار.











