في اجتماع طغت عليه الهواجس الأمنية، اجتمع وزراء خارجية الناتو في بروكسل بغياب لافت لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في سابقة منذ عام 1999، بعدما سبَق الاجتماع بتصريح أكد فيه أن لدى واشنطن “مليون ملف آخر غير أوكرانيا”.
هذا الغياب زاد من قلق الأوروبيين، لاسيما بعد تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول استعداده للحرب، ما عزز المخاوف من خسارة أوكرانيا وربما سقوط الجبهة الدفاعية الأولى لأوروبا.
الأمين العام للحلف مارك روته شدد على أن أفضل وسيلة للضغط على موسكو هي ضمان استمرار تدفق الأسلحة لكييف، إلى جانب تشديد العقوبات وتوسيع الضغط الاقتصادي.
وفي موازاة ذلك، أعلنت أورسولا فون دير لاين خطة لتوفير أكثر من 105 مليارات دولار لأوكرانيا عبر قروض أوروبية أو باستخدام الأصول الروسية المجمدة.
لكن هذا التوجّه أثار تحذيرات بلجيكية من أن مصادرة الأصول قد تدفع موسكو إلى ردود طويلة الأمد، بعدما نبه الكريملين إلى أن انضمام أوكرانيا للناتو “مستحيل” وأن تبعات المصادرة ستتحملها بروكسل.
وفي خضم هذا المشهد، يقدّم الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية حسان القبي قراءة معمّقة للمشهد الأطلسي، كاشفاً عن قلق متصاعد في أوروبا واستعدادات تتجاوز حدود الدعم التقليدي لتلامس سيناريو مواجهة مستقبلية مع موسكو.
انقسام داخل الناتو حول مستقبل الحرب
يرى القبي أن المواقف داخل الناتو تشهد تباينا واضحا بين واشنطن وأوروبا. فالإدارة الأميركية تطرح خطة سلام لا تجد قبولا أوروبيا، إذ تقوم على تقديم منطقتي لوغانسك ودونيتسك لروسيا، وهو ما يعتبره الأوروبيون “تنازلا مجانيا”، في حين تنظر إليه موسكو كحل يعزز مصالحها الاستراتيجية عبر ربط حدودها مباشرة بشبه جزيرة القرم.
أما أوروبا، وفق القبي، فماضية في خيار استمرار الحرب، عبر تدفق الأموال والأسلحة إلى كييف، رغم التفوق الروسي على الأرض وسقوط القرى الأوكرانية تباعا في ظل عجز أوروبي عن إيجاد حل سياسي أو ميداني حاسم.
ويشير القبي إلى أن كييف نفسها، رغم أنها المعني الأول بالحرب، لم تمنح وزنا كبيرا في مسار الخطة الأميركية، حيث لم يحظ الرئيس فولوديمير زيلينسكي بموعد مع ترامب، قبل أن ينتقل لاحقا للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من دون نتائج حاسمة.
غياب أميركي لافت وتأثيرات على المشهد الأطلسي
يلفت القبي إلى أن غياب وزير الخارجية الأميركي عن اجتماع الناتو شكل مؤشرا إضافيا على عمق الخلاف بين الجانبين، إذ يحمل هذا الغياب “قراءات ودلالات عديدة” على حد تعبيره.
كما تتصاعد المخاوف الأوروبية من كلفة الحرب، ولا سيما مع حديث الحلف عن حاجته إلى نحو مليار دولار شهريا توجه أساسا إلى الولايات المتحدة لشراء السلاح، في وقت تحضر فيه أوروبا نفسها لمرحلة تمتد لعامين إضافيين من المواجهة غير المباشرة مع روسيا.
ويشير القبي إلى أن أوروبا تراهن على ثلاثة عناصر أساسية:
- استنزاف الاقتصاد الروسي عبر إطالة أمد الحرب.
- تغيير محتمل في الإدارة الأميركية وعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض.
- عامل الزمن داخل روسيا، حيث يرى الأوروبيون أن تقدّم الرئيس فلاديمير بوتين في السن قد يفتح الباب أمام اضطرابات داخلية ومعركة خلافة مستقبلية.
ويضيف أن مؤشرات التعبئة في أوروبا باتت واضحة، خصوصا في فرنسا، حيث تطرح خطط للتجنيد وحملات إعلامية لحث الشباب على الانخراط في الأعمال التطوعية، وسط ارتفاع كبير في منسوب القلق الشعبي.
الأصول الروسية المجمدة.. معضلة بلا مخرج
يتوقّف القبي عند ملف الأصول الروسية مجددا، مؤكدا أن أوروبا لم تتمكن من الاستحواذ عليها على امتداد أربع سنوات، بسبب التعقيدات القانونية الكبيرة.
ويعتبر أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستضرب مصداقية الاتحاد الأوروبي وتدفع رؤوس أموال أجنبية غير روسية إلى مغادرة القارة. كما يطرح سيناريو مثيرا: إمكانية تسليم موسكو هذه الأصول إلى الولايات المتحدة إذا مضت واشنطن في خطة السلام، ما يثير قلقا أوروبيا مضاعفا.
أوروبا على عتبة مواجهة محتملة
يؤكد القبي في خضم حديثه أن أوروبا لن تقبل بانتصار روسي في أوكرانيا، وأنها تتحضر فعليا — وعلى المدى المتوسط — لمواجهة مع موسكو.
وتشمل هذه الاستعدادات تفعيل الجبهات الاقتصادية والعسكرية، وانتظار تغيرات سياسية في واشنطن، ومراقبة الوضع الداخلي الروسي. كل ذلك، وفق قوله، يجعل القارة أمام مرحلة غامضة الموس والملامح، وأكثر ما يميزها هو القلق الأوروبي العميق من حرب مقبلة قد لا تبقى بعيدة زمنيا.
المصدر : سكاى نيوز











