هل يعتبر اعتراف فرنسا بدولة فلسطين خطوة أولى لحل القضية؟

بقلم : لواء دكتور/ سمير فرج
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الخميس الماضي، عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في شهر سبتمبر المقبل، خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، معرباً عن أمله في أن تسهم تلك الخطوة، إيجاباً، على جهود إحلال السلام في المنطقة.
وحال تنفيذ ماكرون لقراره، تكون فرنسا أول دولة تعترف بالدولة الفلسطينية، من دول مجموعة السبع (G7)، التي تضم سبع دول صناعية كبرى في العالم، هي الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا وإيطاليا، واليابان والمملكة المتحدة، ليبلغ، بذلك، عدد الدول المعترفة بفلسطين، كدولة ذات سيادة، 147 دولة، من أصل 193 دولة، من أعضاء الأمم المتحدة، أي ما يعادل 75% من الدول الأعضاء.
وبالنظر إلى شكل الدولة، التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية، رسمياً، في 15 نوفمبر من عام 1988، بموجب وثيقة إعلان الاستقلال، نجدها قد أعلنت السيادة على الضفة الغربية بالكامل، وقطاع غزة، وإعلان القدس عاصمة لها، وهو ما كان بداية لطرح حل الدولتين، بحيث تتواجد دولة يهودية، ودولة عربية في آن واحد، رغم المعارضة بعض الفصائل الفلسطينية التي ترى الوجود الإسرائيلي غير قانوني، واحتلالاً، غاشماً، للأراضي الفلسطينية.
جدير بالذكر أن الحملة الانتخابية، الأخيرة، لرئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، قد روجت لأن الفلسطينيين لا يسعون إلى دولة بجانب إسرائيل، وإنما يسعون إلى دولة بدلاً من إسرائيل. ومن هنا، فإن أحزاب الائتلاف والمعارضة، تمسكوا برفضهم لدعم حل الدولتين، وخلال الأسبوع الماضي، صوت البرلمان الإسرائيلي، “الكنيست”، بأغلبية 71 صوتاً، مقابل 12، لصالح ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وهو الأمر الذي يهدف، بالطبع، لإجهاض فكرة حل الدولتين من وجهة النظر الإسرائيلية.
وعلى الطرف الآخر، رحب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بقرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين، كما رحبت الأمم المتحدة بقرار فرنسا، فضلاً عن الترحيب العربي وتأييد القرار الفرنسي، بدءاًً من مصر، ودول مجلس التعاون الخليجي؛ السعودية، والإمارات، والكويت، وغيرهم، وكذلك الأردن. وفي المقابل، رفضت الولايات المتحدة القرار الفرنسي، وحذرت من انعكاساته على تعقيد مسارها لحل القضية، بإقامة دولة واحدة تضم الفلسطينيين والإسرائيلين. كما أثار القرار غضب إسرائيل، حيث وصفه بنيامين نتنياهو بأنه “مفاجأة ومكافأة للإرهاب”، أما رئيس الكنيست، فقد اعتبره “خيانة من أحد قادة العالم”، كما وصفه زعيم المعارضة، يائير لابيد، بأنه “خطأ أخلاقي وغير سياسي”.
وفي ألمانيا، فقد صرّح المتحدث باسم الحكومة بأن برلين لا تخطط للاعتراف بدولة فلسطين، على المدى القريب، وأن أولوية ألمانيا، الآن، هو وقف إطلاق النار، وإدخال المعونات الإنسانية إلى أهالي غزة. أما في بريطانيا، فقد صرّح وزير في الحكومة البريطانية بأن لندن تدعم الاعتراف بدولة فلسطينية، إلا أن الأولوية هي تخفيف المعاناة عن أهل غزة، وضمان وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. وفي الوقت نفسه، وقّع مئة نائب بريطاني، يمثلون عدة أحزاب، رسالة مشتركة إلى رئيس الوزراء، كير ستارمر، يطالبون فيها بالاعتراف بدولة فلسطين، وأضافوا في الرسالة، أنه منذ عام 1980، اعتبرت بريطانيا حل الدولتين هو السبيل، لذلك فإن هذا الاعتراف بدولة فلسطين يُعدّ تأكيداً على مسؤولية بريطانيا تجاه الشعب الفلسطيني، وتكفيراً عما تسببت فيه بإعلانها وعد بلفورد.
وبعد كل تلك المواقف، فإن القرار الفرنسي، وإن كان رمزياً فقط، إلا أنه يمثل ضغطاً، في المستقبل القريب، على كل من بريطانيا وألمانيا وأستراليا وكندا واليابان لاتخاذ نفس المسار. كذلك، يرى البعض أنه في المستقبل القريب قد تتبع مالطا وبلجيكا – كدولتين في الاتحاد الأوروبي – نفس مسار الحكومة الفرنسية، في الاعتراف بدولة فلسطينية، خاصة أنه في العام الماضي اعترفت كل من إيرلندا والنرويج وإسبانيا بدولة فلسطين بحدودها كما كانت قبل 4 يونيو 1967، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، رغم إقرار هذه الدول أن تلك الحدود قد تتغير في أي محادثات لتحقيق السلام في المنطقة.
وفي ظني أن هذا القرار الفرنسي سوف يُحرّك المياه الراكدة نحو حل الدولتين، الذي يعد الأمل، حالياً، لتحقيق السلام في المنطقة، رغم ما يواجهه من عقبات في إسرائيل، تتمثل في رئيس الوزراء الإسرائيلي، الحالي، وحكومته اليمينية المتطرفة، الذي يرفض حل الدولتين، اعتماداً على تأييد الرئيس الأمريكي، ترامب، له، الذي كان قد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، خلال فترة حكمه الأولى، والذي وافق على قرار الكنيست بضم الجولان السورية إلى إسرائيل.
وللتصدي لذلك التعاطف والتأييد، المُطلق، من الرئيس ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، يتعين على الدول العربية – تحت مظلة جامعة الدول العربية – التركيز على حل القضية من خلال محاولة الدولتين. على أن تقوم القيادة الفلسطينية، في رام الله، بالاتفاق على إجراء انتخابات لاختيار عناصر جديدة، لقطع الطريق على الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، في عرقلة الحل، والتحجج بضرورة إجراء انتخابات جديدة، وهو الأمر الذي طالبت به الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي.
وعموماً، دعونا نتفاءل بإعلان فرنسا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، لما قد يمثله من بداية لنهج جديد بين مجموعة الدول السبع، خاصة وأن الشواهد تؤكد أن الضغط الشعبي في بريطانيا، سيدفعها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ليتجدد، بذلك، الأمل في الوصول إلى حل الدولتين، والضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، وصولاً إلى تحقيق السلام العادل في المنطقة.
Email: sfarag.media@outlook.com