سمير باكير يكتب ..
إن توزيع مشروع القرار الأمريكي المتعلق بنشر قوة دولية في قطاع غزة بشكل غير رسمي على أعضاء مجلس الأمن يُعد من أبرز التحركات الدبلوماسية بعد الأزمة الإنسانية والعسكرية الأخيرة في القطاع. ويلاحظ أن المشروع، رغم استخدامه لغةً إلزامية، لا يشير صراحةً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أنه يتضمن في جوهره آليات ذات طبيعة “فصل سابعية” من خلال منح الإذن باستخدام “جميع الوسائل اللازمة”.
١. الأبعاد السياسية والبنيوية للقرار
سياسياً، يُمثل هذا المشروع تثبيتاً للمبادرة الدبلوماسية الأمريكية في إطار ما يسمى بـ”الخطة الشاملة لإنهاء النزاع في غزة” و”إعلان ترامب للسلام الدائم”. فمجلس الأمن، من خلال هذا المسار، يتحول من دور الوسيط والحافظ للسلم إلى دور المصدّق على السياسات الأمريكية، مما يعني تراجع دور النظام التعددي التقليدي للأمم المتحدة لصالح نهج ائتلافي محدود تقوده واشنطن.
وينص المشروع على إنشاء “هيئة السلام” كجهاز مؤقت لإدارة وإعادة إعمار غزة، إلى جانب “قوة الاستقرار الدولية” (ISF). ورغم أن هذه الكيانات تبدو في ظاهرها مصممة لإدارة المرحلة الانتقالية، إلا أنها في الواقع تؤسس لنوع من الوصاية الدولية غير الرسمية على غزة، إذ ستتمتع بالشخصية القانونية الدولية المستقلة عن الأمم المتحدة، خارج أطر المساءلة والمراقبة الأممية.
٢. الأبعاد القانونية وإشكاليات الشرعية
من الناحية القانونية، يواجه المشروع غموضاً جوهرياً في أساسه القانوني، إذ يمنح الدول المشاركة صلاحية استخدام القوة دون الإشارة الصريحة إلى الفصل السابع. وهذا يشكل مخالفة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ولأعراف عمل مجلس الأمن.
كما أن منح “هيئة السلام” الشخصية القانونية الدولية مع حصانة موظفيها من دون خضوعها للمساءلة أمام الأمم المتحدة يخلق خطراً بإنشاء كيان تنفيذي بلا شرعية ديمقراطية. أما اشتراط عودة إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية بعد “إصلاحات مقبولة من قبل هيئة السلام”، فيُعد مساساً بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ويجعل هذا الحق مرهوناً بتقييم خارجي، في تعارض واضح مع قرارات مجلس الأمن السابقة ومبادئ القانون الدولي.
٣. الأبعاد الجيوسياسية والأمنية
إقليمياً، يشير إدراج مصر وقطر وتركيا كميسّرين للعملية إلى محاولة أمريكية لإضفاء توازن في الشرعية العربية والإسلامية على المشروع. غير أن إلزام القوة الدولية بالتنسيق مع إسرائيل ومنحها صلاحيات أمنية بالتعاون معها يمكن أن يُفهم على أنه اتفاق أمني فعلي (دوفاكتو) يُكرّس السيطرة الإسرائيلية على حدود غزة ويقوّض حق الفلسطينيين في إدارة أمنهم الذاتي. وهو ما قد يؤدي إلى تثبيت الوضع القائم بدلاً من تحقيق سلام حقيقي ودائم.
إن مشروع القرار الأمريكي، رغم مظهره الإنساني والإنشائي، ينطوي في جوهره على تقييد للسيادة الفلسطينية، وإضعاف لدور الأمم المتحدة المعياري، ومنح شرعية للسيطرة الخارجية على غزة. فهو لا يمهد لسلام عادل ومستدام بقدر ما يؤسس لمرحلة جديدة من الوصاية الدولية تحت مسمى “الإدارة الانتقالية”، بما يحمل من مخاطر على مفهوم الاستقلال الذاتي والشرعية الدولية في آن واحد.











