سمير باكير يكتب ..
تشير التطورات الأخيرة في المناطق الغنية بالمعادن في اليمن، لا سيما في منطقة جبل النار ومحافظة حضرموت، إلى تصاعد السياسات التوسعية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تتجاوز النفوذ العسكري والسياسي لتطال ثروات اليمن الطبيعية، ضمن مشروع منظم يستهدف السيطرة الاستراتيجية على مقدّرات البلاد.
الصور الفضائية والتقارير الميدانية تكشف أن الإمارات، ومنذ أكثر من عامين، عمدت إلى فرض وجودها عبر قوات تابعة لها كقوات طارق صالح، بحجة إنشاء معسكرات عسكرية، ليتضح لاحقًا أن الهدف الحقيقي هو استغلال الثروات المعدنية النادرة بأسلوب صناعي ومنهجي.
وتؤكد تقارير صادرة عن مؤسسات بحثية كـ”هُنا عدن” و”أطلس”، أن الإمارات تنفذ عمليات استخراج للمعادن النادرة مثل الفوسفات، التيتانيوم، الجيرمانيوم، وحتى الذهب، في عدة مناطق تمتد من تعز غربًا إلى حضرموت والمهرة شرقًا. هذه العمليات تتم باستخدام معدات ثقيلة وبدعم عسكري مباشر من القوات الإماراتية، وسط صمت شبه تام من الحكومة المعترف بها دوليًا في عدن، والتي أصدرت في بعض الحالات تراخيص لتصدير هذه الثروات، الأمر الذي قوبل بإدانة شديدة من قبل صنعاء.
الأخطر من ذلك، أن بعض هذه الأنشطة ليست جديدة؛ فقد بدأت الإمارات منذ عام 2006 بالاستثمار في مناجم الذهب في حضرموت من خلال شركة “ثاني دبي ماينينغ”، ما يكشف عن بُعد استراتيجي طويل المدى في مشروعها التوسعي داخل اليمن.
في المقابل، بدأت ملامح صراع نفوذ بين الإمارات والسعودية بالظهور، حيث أوقفت “حلف قبائل حضرموت” المدعومة من الرياض تصدير الرمال السوداء عبر ميناء المكلا، وسيطرت على عدد من الحقول النفطية، ما يُعد مؤشرًا على اشتداد التنافس بين طرفي التحالف على الثروات اليمنية.
كل ذلك يحدث وسط تجاهل دولي مريب، وتساؤلات ملحة حول مدى قانونية هذه الأنشطة. فبحسب قانون المناجم اليمني، تُعتبر هذه العمليات غير شرعية وتشكل انتهاكًا مباشرًا لسيادة اليمن وموارده الوطنية. وقد حذرت صنعاء من استمرار نهب هذه الثروات، معتبرةً أن ما يحدث هو “جريمة اقتصادية منسقة” تهدد مستقبل البلاد.
المشهد في اليمن اليوم يكشف عن تحول خطير: من حرب عسكرية إلى صراع على الثروة والموارد. وبينما تستفيد أطراف إقليمية من هذا الواقع، يبقى المواطن اليمني الخاسر الأكبر، يشاهد ثروات بلاده تُنهب في وضح النهار، في وقت كان بالإمكان أن تكون هذه الموارد أساسًا لبناء الدولة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.