كتبت: علياء الهواري
أسماء الحروب ليست بريئة. عندما تختار دولة اسمًا لعملية عسكرية، فإنها تختار سردًا يُخبر الناس كيف يقرأون الحدث. في إسرائيل، كثير من الأسماء تُستعاد من الذاكرة الكتابية (التوراتية) — أسماء وقصص وشخصيات تعطي للحرب بعدًا تاريخيًا/دينيًا يشرعن الفعل العسكري ويعبئ النفوس. هذا التقرير يحلل أربعة من أشهر هذه الأسماء: أصل كل اسم في النصوص اليهودية أو التاريخية، كيف وظّفته الدولة/الخطاب العام، وما الرسائل الرمزية والسياسية التي يحملها.

في 6 أكتوبر 1973، وبينما كان المصريون صائمين في رمضان، شنت إسرائيل حربها التي أطلقت عليها “حرب يوم الغفران” – يوم مقدس عند اليهود يخصص للصيام والتوبة. اختيار الاسم لم يكن بريئًا؛ فهو يذكّر المجتمع الإسرائيلي بأن الحرب وقعت في أكثر أيام السنة قداسة، ويحاول صرف الأنظار عن حقيقة أن الجيش الإسرائيلي فوجئ بعبور القوات المصرية لقناة السويس ونجاحها في تحطيم خط بارليف.
عام 1967، أطلقت إسرائيل على حربها مع مصر وسوريا والأردن اسم “حرب الأيام الستة”، في إشارة إلى أن النصر تحقق في ستة أيام فقط، في إسقاط واضح على قصة الخلق في التوراة حيث خلق الله العالم في ستة أيام. الاسم يحمل رسالة واضحة: “نحن شعب مختار يحقق المعجزات بسرعة خارقة”، ويحوّل الحرب إلى ملحمة بطولية في الوعي الإسرائيلي.
أحدث عمليات إسرائيل في غزة حملت اسم “عربات جدعون”، وجدعون أحد أبرز قادة بني إسرائيل المذكورين في سفر القضاة (الإصحاحات 6-8). قاد جدعون حربًا على المديانيين بأمر إلهي بعد تقليص جيشه من آلاف إلى 300 مقاتل فقط حتى لا يفتخر الشعب بقوته بل ينسب النصر إلى الرب. استحضار هذا الاسم اليوم يهدف إلى إيصال رسالة أن إسرائيل، رغم التحديات، قادرة على سحق خصومها حتى لو كانت محاصرة أو تواجه جبهات متعددة.
بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل عن عملية “السيوف الحديدية”، وهو اسم مستوحى من سفر المزامير (149:6): “سيوف ذات حدين في أيديهم”، وهو تعبير توراتي يرمز إلى العقاب والحرب المقدسة. اختيار الاسم يؤكد على أن إسرائيل ترى في هذه الحرب تنفيذًا لـ”عدالة إلهية” ووسيلة لردع الأعداء من خلال القوة المطلقة.
لماذا تلجأ إسرائيل لهذه الرمزية؟
شرعنة الحرب: تضفي قداسة على عمليات عسكرية قد تُتهم بارتكاب انتهاكات.
تعبئة المجتمع: توحّد الشعب تحت راية “المعركة المقدسة” وتحفز الجنود على القتال.
إرهاب العدو نفسيًا: إشعار الخصم أن المواجهة ليست سياسية فقط بل معركة وجودية تمتد جذورها آلاف السنين.
التأثير الإعلامي: تخلق رواية أسطورية تصدّرها للعالم وتكسب بها تعاطف القوى الغربية.
ليست أسماء الحروب الإسرائيلية مجرد مصطلحات عسكرية، بل هي أدوات نفسية ودينية تهدف لصياغة وعي جماعي يرى في كل حرب استمرارًا لرحلة بني إسرائيل التوراتية. من “يوم الغفران” إلى “السيوف الحديدية”، تستثمر إسرائيل في الرمزية الدينية لتحوّل ساحة المعركة إلى منصة لتجديد الأسطورة، في محاولة دائمة لتبرير الاحتلال وإطالة أمد الصراع باسم نصوص كُتبت قبل آلاف السنين.