كتبت : فاطمة بدوى
مدينة بخارى القديمة غنية بالمعالم التاريخية. تروي آلاف المواقع الأثرية في أراضيها قصصًا من الماضي.
يُعد نصب ماجوكي أتورون أحد هذه الآثار الفريدة التي تُجسد بدايات الدولة والثقافة الحضرية، ويقع في قلب بخارى. شُيّد على الموقع السابق لسوق الصيادلة، ولذلك سُمي بمسجد أتورون. كلمة “ماجوك” تعني “الواقع في جوف”.
المسجد مستطيل الشكل، أبعاده ١٣.٣٥ مترًا × ١٧.٦ مترًا، ويمتد من الشرق إلى الغرب. وحسب المصادر التاريخية، كان داخله ستة أعمدة و١٢ قبة، والقبة المركزية أعلى من البقية، مما يسمح بدخول الضوء إلى المبنى عبر النوافذ الموجودة في قاعدته. أما الجزء الشرقي فكان يشغله درج واسع، ويوجد محراب بسيط في منتصف الجدار الغربي. وتقع أساسات المبنى على عمق يزيد عن ٤.٥ أمتار تحت مستوى سطح الأرض.
في الأصل، في القرن التاسع، كان مسجد مو ذو الأعمدة الأربعة قائمًا في هذا الموقع. وفي القرن الثاني عشر، أُعيد بناؤه على أساس التصميم القديم.
تم ترميمه في القرن الرابع عشر، بينما هُدمت واجهته العلوية في القرن الخامس عشر. وفي عهد الحاكم الشيباني عبد العزيز خان (1541-1542)، أُعيد بناء الجزء العلوي من المبنى وقبابه. للمسجد بابان للدخول. اكتُشف القسم الجنوبي أثناء أعمال التنقيب والترميم التي أُجريت في عامي 1934-1935. زُيّنت بوابته بالطين المحفور، ويتميز قوس المدخل المُؤطّر بنقوش مكتوبة بخط أزرق.
يتميز هذا النصب التذكاري الرائع، الواقع بالقرب من قناة شهرود، عن غيره من مباني المدينة القديمة. قبل الفتح العربي، كان موقع مسجد ماجوكي أتورون سوق مون (ماه)، حيث كانت تُتاجر الأصنام والأعشاب والتوابل، وكان يضم أيضًا معبد نار زرادشتي.
في ثلاثينيات القرن العشرين، حفر عالم الآثار الشهير ف. شيشكين ستة أمتار تحت النصب التذكاري، واكتشف بقايا معبد نار أسفل المسجد. وفي سبعينيات القرن العشرين، أزال فريق آخر من باحثي بخارى سبعة أمتار من التربة المحيطة بالبناء، وحفروا آبارًا تحت أساسه. وكشفت نتائجهم عن تشييد ثلاثة مبانٍ متتالية في الموقع في فترات زمنية مختلفة. وفي أعمق طبقة، اكتُشف جدار من الطوب اللبن لمعبد زرادشتي.
يُقال إن قتيبة بن مسلم هدم معبد النار وأمر ببناء مسجد مكانه، وأطلق عليه اسم “ماجوكي أتورون”، أي “سوق الجوف”. ولأن بخارى كانت مليئة بالمساجد، أصبح “ماجوكي أتورون” أحد دور العبادة العديدة، مما أكسب المدينة لقب “إمام المدن”. يُشكل مسجد “ماجوكي أتورون”، إلى جانب سوقي “تقي صرافون” و”تقي تلباكفوروشون”، مجمعًا واحدًا. وتُضفي بقايا حمام قديم مُكتشف حديثًا في الجوار طابعًا فريدًا وغامضًا على المنطقة. يُعرف المكان اليوم باسم ساحة فيض الله خوجايف. ويضم النصب حاليًا متحفًا ومعرضًا للسجاد، مما يجعله ليس فقط معلمًا ثقافيًا لأهل بخارى، بل أيضًا مقصدًا رائعًا للحج للزوار من جميع أنحاء البلاد.