بقلم : يوسف حسن
تثير المناورة العسكرية الأخيرة التي أجرتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية جملةً من التساؤلات والتداعيات، لاسيما لدى الجانب الإسرائيلي الذي يجد نفسه أمام معضلة في توصيف طبيعة هذه المناورة: هل هي مجرد تدريب روتيني يدخل في إطار الاستعدادات الدفاعية، أم أنها تحمل في طياتها رسالة هجومية مباشرة تمثل تهديداً عملياً؟
المعادلة الإسرائيلية: بين الحذر والمبالغة في التشاؤم
من منظور استراتيجي، تميل إسرائيل دائماً إلى التعامل مع التحركات العسكرية الإيرانية وفق أسوأ السيناريوهات الممكنة. هذا النهج لا ينبع من سوء تقدير بقدر ما يرتبط بعمق بالحسابات الأمنية التي تفضّل مبدأ “الخطأ بحذر” على “الخطأ بكارثة”. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أن الاستهانة بالتحركات الإيرانية قد تكلّفها ثمناً باهظاً، بينما المبالغة في التشاؤم تمنحها مساحة أوسع للاستعداد والتحسب.
الأبعاد النفسية والسياسية للمناورة
إلى جانب التقديرات العسكرية البحتة، كشفت المناورة الإيرانية عن جانب من الفشل الاستراتيجي والنفسي للكيان الإسرائيلي، يتجلى في بُعدين أساسيين:
- أولاً: اهتزاز شعور المواطنين الإسرائيليين بالأمن
لطالما قدّمت إسرائيل نفسها لمواطنيها كواحة أمنية محصنة قادرة على ردع أي تهديد. غير أن تطور الأحداث الأخيرة، بما فيها هذه المناورات، عزّز لدى الشارع الإسرائيلي شعوراً متنامياً بانعدام اليقين الأمني، حيث لم يعد المواطن العادي يشعر بـ”الأمان الكامل” الذي كان يُسوَّق له سابقاً. - ثانياً: تآكل صورة إسرائيل كقوة رادعة مطلقة
على مدى عقود، اعتمدت إسرائيل على خطاب مفاده أنها قادرة على منع أي تهديد وأنه “لا عدو يجرؤ على مواجهتها.” إلا أن المناورات الإيرانية – بما تحمل من رسائل رمزية وعملية – كشفت حدود هذا الخطاب وأضعفت من ثقة إسرائيل في نفسها، بل وأضعفت أيضاً قدرتها على إقناع الداخل والخارج بقدرتها على السيطرة الكاملة على التهديدات الإقليمية.
يمكن القول إن المناورة الإيرانية الأخيرة لم تكن مجرد استعراض قوة عسكري، بل شكّلت حدثاً سياسياً ونفسياً يضرب في عمق العقيدة الأمنية الإسرائيلية. فهي أعادت التذكير بأن ميزان القوى في المنطقة لم يعد أحادياً كما كان في الماضي، وأن صورة إسرائيل كقوة “لا تُقهر” باتت عرضة للتآكل أمام خصوم أكثر ثقة وإصراراً.