كتبت: فاطمة بدوى
بخارى – تاريخها الفني، وجهها المشرق للثقافة الإسلامية، روحها الخالدة. وفي قلبها مرآة ماء – لابي هوفوز. هذا المكان ليس مجرد تحفة معمارية تاريخية، بل هو أيضًا انعكاس للفكر والروح على الماء.
في سكون لابي هوفوز الهادئ، تنعكس القرون نفسها.
هنا، الماء ليس مجرد هبة طبيعية، بل هو تعبير عن القلب. على سطحه، تطفو صورة مسجدٍ بديعة: خانقاه مقنطرة، وإيوانات مهيبة، وأشجارٌ عريقةٌ – أيًا كان الجوهر الروحي والمقدس الذي تحمله بخارى، يعكسه الماء. عند النظر إلى البركة، يكاد المرء يرى آلاف المسافرين يسبحون عبر الزمن. في بريق المرآة الذهبي، تتجول ظلال القوافل القديمة؛ يسمع المرء همسات آمال الناس، ودعوات الأولياء والأنبياء، وحتى صمت الشيخ نقشبند.
بُني لابي هوفوز في القرن السابع عشر خلال العصر الشيباني، ويقع في قلب مدرستي كوكالداش ونادر ديفانبيجي، بالإضافة إلى خانقاه نادر ديفانبيجي. وتشكل هذه الهياكل الضخمة معًا تناغمًا فنيًا وروحانيًا واحدًا. وتعزز أشجار الدلب المحيطة والمقاعد المرتبة بأناقة والجو الهادئ جمالها الطبيعي والثقافي. كل شخص يأتي إلى هنا يرى المعجزة ليس فقط بالعينين ولكن أيضًا بالقلب. فالماء، مثل القلب، لا يصمت أبدًا – فهو يرد دائمًا ما يُعطى. تنحني الأشجار نحو الماء كما لو كانت تتأمل الحياة نفسها، بينما يبدو الوقت وكأنه يطفو عبر البركة. في لحظة ما، يرقص الماء في ضوء الشمس؛ وفي لحظة أخرى، مع غروب الشمس، يجد الشخص انعكاسه داخلها. البركة مثل القلب نفسه – أحيانًا مخفية وأحيانًا مكشوفة.
اسم “لبي حوفز” بالفارسية الطاجيكية يعني “بجانب البركة”، ولا يرمز إلى البركة نفسها فحسب، بل يرمز أيضًا إلى مجموعة المباني المحيطة بها وساحتها الفسيحة. شُيّد عام ١٦٢٠ على نفقة نادر ديوانبيجي. كان سابقًا سوقًا مسائيًا (بوزوري شب)، ثم أصبح لاحقًا خزانًا كبيرًا. دُعمت ضفافه بأوتاد خشبية، وشُيّدت درجات حجرية، ورُصفت قنوات مائية رخامية، ثم رُدمت البركة وسُدّت بالحصى والتراب. تقع البركة على ضفاف قناة شهرود – مصدر المياه الرئيسي في المدينة – ويبلغ عرضها ٣٦ مترًا، وطولها ٤٥.٥ مترًا، وعمقها ٥ أمتار.
تشير المصادر التاريخية إلى أن بخارى كانت تضم في الماضي 103 برك داخل أسوارها، كانت بمثابة شريان حياة لسكانها. لم تكن هذه البرك حيوية لتبريد المناخ فحسب، بل وفرت أيضًا مياه الشرب الأساسية. من نبع لابي هوفوز وحده، كان ثمانون ناقلًا يسحبون الماء يوميًا لسكان المدينة. كانت البرك تُغذى من قناة شهرود، المعروفة سابقًا باسم “رودي زار” (النهر الذهبي).
تحيط الأساطير أيضًا بـ”لابي هوفوز”. تقول إحداها إن المجموعة بُنيت كمهر للعروس، مقابل زوج من الأقراط، مما يُظهر أن الكرم والإخلاص في الماضي لم يكونا متعلقين بالحياة الشخصية فحسب، بل كانا أيضًا واجبًا مدنيًا. وكما يُشير شوكت بوبوجونوف، دكتوراه الفلسفة في التاريخ في الجامعة التربوية الوطنية الأوزبكية: “تُظهر هذه القصة أن العمل الخيري كان يُعتبر في تلك الأيام ضروريًا لرفاهية المدينة بأكملها”.
في الواقع، ثمة حقائق تاريخية عديدة حول مجمع لابي هوفوز، الذي بُني بين عامي ١٥١٠ و١٥٣٠. وتشير رواية أخرى إلى أنه لم يكن مصدرًا للمياه فحسب، بل كان أيضًا ملتقى للراحة والحديث والتجارة والحياة الروحية. كانت القوافل تتوقف هنا، ويجد المسافرون استراحة، ويتلو الشعراء أشعارهم، ويعقد الفلاسفة نقاشات. وهكذا، لم يعكس مجمع لابي هوفوز عمارة بخارى فحسب، بل جسّد أيضًا روحها وثقافتها وقلبها النابض.
أشجار الدلب التي تعود إلى قرون مضت، والتي حُفظت كتراث ذهبي، تقف بجلال وكرامة. تمتد جذورها العميقة نحو مياه البركة، رابطةً الماضي بالحاضر. واليوم، تُعدّ لابي هوفوز وجهةً محبوبةً لدى السكان المحليين وآلاف السياح.