اراء ومقالات

منطقة التجارة الحرة في شينجيانغ: نموذج للانفتاح الرفيع المستوى في غرب الصين

بقلم: ليانغ سوو لي
إعلامية صينية

في ظل التحولات العميقة التي تشهدها سلاسل الإمداد العالمية، اختارت الصين إنشاء منطقة التجارة الحرة في شينجيانغ كمنصة استراتيجية لتعزيز الانفتاح في المناطق الداخلية وتسريع وتيرة التنمية في المناطق الحدودية. ومنذ تأسيسها رسميًا عام 2023 باعتبارها المنطقة التجريبية الثانية والعشرين للتجارة الحرة في البلاد، لم تقتصر أهميتها على كونها امتدادًا لمشروع “تنمية غربي الصين”، بل أصبحت أيضًا محورًا رئيسيًا ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، مساهمةً في إعادة رسم معالم التنمية في المناطق الحدودية الصينية.
تشمل المنطقة ثلاث مناطق رئيسية هي أورومتشي وكاشغر وخورغوس، حيث يتكامل الابتكار المؤسسي مع تسهيل الاستثمار، وتحسين السياسات الضريبية، وتطوير الخدمات المالية العابرة للحدود، ما يُشكّل أساسًا قويًا لانفتاح عالي الجودة.
ومن خلال تنفيذ 129 مهمة تجريبية، أُطلقت مبادرات رائدة مثل “التخليص الجمركي السريع للسكك الحديدية” و”الوقود الجوي المعفى من الرسوم الجمركية للطائرات الدولية”، مما أسهم في رفع كفاءة التخليص الجمركي بأكثر من 50%. كما أعادت جمارك أورومتشي هيكلة إجراءات التسجيل، مما قلّص زمن تسجيل الشركات إلى يوم عمل واحد فقط، وأدى إلى تحسين بيئة الأعمال بشكل ملموس.
وبحلول نهاية عام 2024، تم تأسيس نحو 7600 شركة جديدة داخل المنطقة، وارتفع عدد الشركات الأجنبية بنسبة تقارب 77.6%. وعلى الرغم من أن المنطقة تشغل أقل من 0.01% من مساحة شينجيانغ، فقد ساهمت بحوالي 40% من إجمالي حجم التجارة الخارجية للمنطقة، في دلالة واضحة على التأثير الواسع للانفتاح الاقتصادي.
ويُعد تطوير الصناعات المحرّك الأساسي لنهضة المنطقة. ففي أورومتشي، تتسارع وتيرة نمو الصناعات الناشئة مثل التصنيع الذكي والطاقة الخضراء، بما في ذلك مشاريع رائدة في مجال الهيدروجين. أما في كاشغر، فقد تم تطوير سلسلة إنتاج متكاملة تحت عنوان “القطن الممتاز + النسيج الذكي”، مع دمج قطاعات الغزل، وصناعة الملابس، والتجارة الإلكترونية، مما أسفر عن توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل.
وفي خورغوس، التي أصبحت أكبر منفذ بري لتصدير السيارات في الصين، تم تصدير نحو 421 ألف سيارة في عام 2024، بزيادة سنوية بلغت 38.6%، ضمن نموذج تكاملي يجمع بين التصدير، والصيانة، وإعادة التصنيع. وتُسهم هذه الممارسات في تعزيز استقرار سلاسل التوريد، وتوفير زخم اقتصادي مستدام.
وتستثمر المنطقة موقعها الجغرافي الاستراتيجي لتعزيز التعاون مع دول آسيا الوسطى وغرب آسيا. إذ يربط مركز قطارات الشحن بين الصين وأوروبا في أورومتشي 26 مدينة في 19 دولة ومنطقة، وقد بلغ عدد القطارات المشغلة خلال عام 2024 نحو 562 قطارًا، بقيمة شحنات بلغت 13.7 مليار يوان. كما أصبح مركز خورغوس الدولي للتعاون الحدودي منصة مهمة للمشاريع الكبرى في مجالات التمويل، والخدمات اللوجستية، والسياحة الثقافية، والرعاية الصحية، مما يعزز التبادل الاقتصادي والإنساني بين الصين وكازاخستان.
كما شهدت التجارة الإلكترونية العابرة للحدود نموًا كبيرًا، حيث ارتفعت قيمة هذه التجارة في أورومتشي لعام 2024 بمقدار 4.8 أضعاف، فيما تضاعفت صادرات سوق المشتريات ست مرات. ومع التشغيل المنتظم للقنوات الخضراء لنقل المنتجات الزراعية بين الصين ودول آسيا الوسطى، تقلّص وقت التخليص الجمركي إلى أقل من 24 ساعة، ما أتاح وصول الفواكه والخضروات الطازجة من شينجيانغ بسرعة إلى متاجر كازاخستان وأوزبكستان.
ولا تعكس هذه الإنجازات توسّعًا في انفتاح منطقة التجارة الحرة فحسب، بل ترسّخ أيضًا نموذجًا فعّالًا للتعاون الإقليمي المتبادل النفع.
يمثّل تطوير منطقة التجارة الحرة في شينجيانغ تجسيدًا حيًّا لنموذج التحديث الصيني بأسلوبه الخاص في المناطق الحدودية. فمن خلال الابتكار المؤسسي، وتحديث البنية الصناعية، وتعزيز التعاون الإقليمي، تحوّلت “اقتصادات الممرات” إلى “اقتصادات محورية”، مما عزّز مرونة سلاسل التوريد والتكامل بين المناطق، وطرح حلاً صينيًا عمليًا لمواجهة مخاوف الانفصال والانقسام في سلاسل التوريد العالمية.
وفي المستقبل، ستواصل شينجيانغ تعميق انفتاحها المؤسسي ضمن إطار مبادرة “الحزام والطريق”، مع العمل على توسيع التعاون مع دول آسيا الوسطى وغرب آسيا في مجالات التجارة، والصناعة، والبنية التحتية. ومن خلال انفتاح رفيع المستوى يقود إلى تنمية عالية الجودة، تتحول شينجيانغ تدريجيًا من هامش جغرافي إلى واجهة انفتاح اقتصادي، لتصبح محركًا جديدًا لتنمية غربي الصين، ونموذجًا لمنطقة حدودية آمنة، مزدهرة، ومنفتحة على محيطها الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى