اراء ومقالات

"حرب الرقائق": هل تستطيع القيود الأمريكية إبطاء صعود التكنولوجيا الصينية؟

بقلم ليانغ سوو لي
إعلامية صينية

أعلنت وزارة التجارة الأمريكية مؤخرًا عن سلسلة من الإجراءات الجديدة التي تهدف إلى تقييد استخدام الرقائق الحاسوبية المتقدمة المنتجة في الصين على مستوى العالم، مع تركيز خاص على سلسلة رقائق “أسيند” التي تطورها شركة “هواوي”. وعلى الرغم من التبريرات الأمنية التي تروج لها واشنطن، فإن الدوافع الحقيقية خلف هذه الخطوات تكشف عن قلق أمريكي عميق من تسارع صعود الصين التكنولوجي، وسعي محموم للحفاظ على التفوق عبر تسييس التكنولوجيا وتحويلها إلى أداة للهيمنة الجيوسياسية.
منذ عام 2019، حين بدأت الولايات المتحدة فرض حصار تكنولوجي واسع على “هواوي” في مجال شبكات الجيل الخامس، وصولًا إلى مساعيها الراهنة لمنع الصين من الوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي، بدا المسار الأمريكي أشبه بردّ فعل استراتيجي ينبع من مخاوف وجودية. غير أن الواقع لم يَسرِ كما كانت تأمل واشنطن؛ فالصين لم تتراجع، بل تابعت صعودها بثقة في مجالات حيوية شملت أشباه الموصلات المتقدمة، وأنظمة التشغيل المحلية، ونماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، ما يشير بوضوح إلى إخفاق استراتيجية “للخنق التكنولوجي”.
الادعاءات الأمريكية بأن الصين تعتمد على تقنيات أو حقوق ملكية فكرية أمريكية في تطوير رقائقها، لا تستند إلى أدلة حاسمة. فمنذ تشديد القيود على “هواوي”، استطاعت الشركة بناء منظومة بحث وإنتاج شبه مستقلة، تعتمد إلى حد بعيد على الموارد المحلية. أما توسيع مفهوم “الاستخدام التكنولوجي” ليشمل مجرد الارتباط غير المباشر بسلاسل التوريد العالمية، فيُعد تعبيرًا صارخًا عن نزعة “الولاية القضائية العابرة للحدود”، التي أصبحت موضع رفض واسع في عصر العولمة.
في جوهرها، التكنولوجيا أداة لتقدم البشرية، وليست وسيلة لصراعات النفوذ. غير أن السياسات الأمريكية القائمة على الحظر والعقوبات تدفع الصين إلى تسريع خطواتها نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات الابتكار، وهو ما أفضى إلى نتائج ملموسة في صناعات متعددة، بدءًا من الفضاء الجوي وصولًا إلى التصنيع الذكي. وكلما أغلقت واشنطن بابًا، فتحت بكين نوافذ جديدة للريادة.
المفارقة الأبرز أن هذه القيود لا تضر بالصين وحدها، بل تُلحق خسائر جسيمة بالشركات الأمريكية أيضًا. فقد صرّح المدير التنفيذي لشركة “نفيديا”، جنسن هوانغ، بأن القيود المفروضة على تصدير الرقائق إلى الصين قد تُكلف شركته نحو 15 مليار دولار، مشيرًا إلى أن حرمان الصين من رقاقات معينة لن يوقف تطورها في مجال الذكاء الاصطناعي، بل سيدفعها إلى تطوير بدائلها بوتيرة أسرع.
نجاح الصين في تجاوز هذه التحديات لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة تخطيط استراتيجي عميق ورؤية وطنية متكاملة. فقد أسست بكين منظومة متكاملة للابتكار ترتكز على تناغم الجهود بين الدولة والشركات والمؤسسات البحثية، واستثمرت على امتداد سلسلة القيمة – من البحث العلمي الأساسي إلى التطبيقات الصناعية – ضمن بيئة تُمكّن التفاعل بين السياسات العامة والمشاريع والسوق.
الصين لا تسعى إلى استبدال الهيمنة الأمريكية بهيمنة جديدة، بل تطرح نموذجًا بديلًا يرتكز على التعددية والانفتاح والتكامل. وبينما تبني الولايات المتحدة الجدران وتفرض القيود، تفتح الصين الأبواب وتبني الجسور، في مسعى لتشكيل نظام عالمي أكثر تنوعًا في مصادر الابتكار والمعرفة.
في المحصلة، قد تُحدث القيود الأمريكية بعض التعطيل المؤقت، لكنها لن توقف المسار الصيني المتصاعد في ميدان التكنولوجيا. وفي “حرب الرقائق”، لم تعد الصين في موقع الدفاع، بل باتت لاعبًا محوريًا يتقدم بخطى ثابتة، عازمة على صياغة مستقبلها التقني بيدها، لا وفقًا لإملاءات الخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى