طفولة في مهب الخطر ( التعدي على الأطفال أزمة أخلاقية ومجتمعية )

بقلم : محمد الساحه ( الباحث في الشؤون السياسية والقضايا المجتمعية )
يُعد الطفل حجر الأساس في بناء المجتمعات ، وهو أمل الحاضر والمستقبل.
يُعد التعدي على الأطفال بجميع أشكاله من القضايا الشائكة التي تعاني منها المجتمعات حول العالم ، ولا يختلف المجتمع المصري عن غيره في مواجهة هذه الظاهرة المقلقة ، فالتعدي لا يقتصر على الضرب أو العنف الجسدي، بل يمتد إلى الإهمال، الاستغلال الجنسي، التحرش ، العمل القسري، وحتى الإيذاء النفسي بالكلمات والتقليل من قيمة الطفل . وفي بعض المناطق يُجبر الأطفال على التسول أو يُزجّ بهم في سوق العمل في سن مبكرة محرومين من التعليم والرعاية الأساسية ، وغيرها من الأشكال التي تترك آثارًا نفسية وجسدية عميقة.
وتُعد هذه الانتهاكات من أخطر ما يهدد أمن الطفل وسلامته ، وبالتالي أمن المجتمع بأكمله.
حيث لا تزال قضايا التعدي على الأطفال تمثل إحدى أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة في مصر . ورغم الجهود الرسمية والمجتمعية المبذولة خلال السنوات الأخيرة ، إلا أن حجم التحديات لا يزال كبيرًا، ويستدعي تحركًا أكثر حزمًا ووعيًا من جميع الجهات.
- نماذج من التقارير والإحصائيات:
تشير تقارير صادرة عن المجلس القومي للطفولة والأمومة لعام 2023 إلى أن حوالي 80% من الأطفال المصريين يتعرضون لشكل من أشكال العنف في المنزل أو المدرسة ، بجانب أن آلاف البلاغات ترد سنويًا إلى خط نجدة الطفل (16000) ، تتعلق بحالات عنف جسدي ، نفسي ، أو جنسي ضد أطفال في مختلف محافظات الجمهورية ، وتكشف دراسة حديثة لليونيسف أن 60% من الأطفال المصريين يتعرضون لشكل من أشكال العنف داخل الأسرة أو المدرسة ، وهو مؤشر مقلق على اتساع رقعة الظاهرة. - إن من أسباب انتشار التعدي على الأطفال في مصر :
-ضعف الوعي المجتمعي بحقوق الطفل.
-العادات والتقاليد القديمة التي تبرر العنف الأسري حيث لا يزال البعض يعتبر الضرب وسيلة للتربية ، ويبرر الإهانة أو الصراخ على أنه ” أسلوب تأديب “
-الفقر والبطالة مما يدفع بعض الأسر إلى استغلال أطفالها في أعمال شاقة أو دفعهم للتسول.
-غياب الرقابة الأسرية والتعليمية في التعامل مع مشكلات الأطفال مع ضعف التواصل بين الأهل والمدرسة قد يجعل الطفل ضحية دون أن يلاحظ أحد.
-ضعف الوعي بالقوانين كثير من المواطنين يجهلون القوانين التي تجرم التعدي على الأطفال ، مما يؤدي إلى تكرار الانتهاكات.
-التقنيات الحديثة التي تُستغل في بعض الأحيان في ترويج مواد استغلال الأطفال.
-الحالات النفسية التي قد تُرتبط بالتعدي الجنسي على الأطفال ومنها ( الاضطرابات الشخصية ( مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو السيكوباتية / قد يكون أصحابها فاقدين للتعاطف أو الضمير الأخلاقي ، لكن الغالبية العظمى من المعتدين جنسيًا على الأطفال ليسوا مصنفين كمرضى نفسيين رسميًا ، فكثير منهم يُدركون تمامًا أفعالهم، ويتعمدون إخفاءها، مما يشير إلى وجود نية وسلوك إجرامي مقصود أكثر من كونه مرضًا عقليًا ، فالمرض النفسي لا يُبرر الجريمة، لكنه قد يُفسر في بعض الحالات طبيعة السلوك. - وقد ترتبت الآثار السلبية المترتبة على التعدي على الأطفال :
حيث تترك هذه الانتهاكات المذكورة سابقاً أثرًا بالغًا على نفسية الطفل ومستقبله مثل:
-فقدان الثقة بالنفس والشعور بالخوف الدائم.
-اضطرابات سلوكية أو نفسية ( مثل الاكتئاب والقلق والخوف ).
-تراجع الأداء الدراسي.
-العزلة الاجتماعية أو السلوك العدواني.
-مشكلات في بناء العلاقات الاجتماعية.
-احتمالية التحول إلى شخص معادٍ للمجتمع. - دور الدولة والمجتمع للتصدى للظاهرة :
لا يمكن إنكار الجهود الرسمية المبذولة ، من خلال تفعيل خط نجدة الطفل ، وإطلاق حملات توعية في المدارس، والمبادرات التي تنفذها منظمات المجتمع المدني. كما أن الإعلام بدأ يلعب دورًا في تسليط الضوء على الظاهرة. لكن هذه الجهود تبقى جزئية، وتحتاج إلى استراتيجية وطنية شاملة تشارك فيها الأسرة، المدرسة، المسجد، الكنيسة، والمؤسسات الإعلامية.
حيث أدركت الدولة المصرية خطورة هذه الظاهرة حيث قامت خلال السنوات الاخيرة ، باتخاذ خطوات لمحاربة هذه الظاهرة مثل:
-القانون رقم 126 لسنة 2008 الذي عدّل بعض أحكام قانون الطفل، مشددًا على حماية حقوقه.
-إنشاء المجلس القومي للطفولة والأمومة والذي يُشرف على خط نجدة الطفل (16000) لتلقي البلاغات السرية
-إطلاق حملات توعية للتثقيف بحقوق الطفل وطرق الحماية من العنف بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
-تفعيل دور المدارس والأخصائيين الاجتماعيين في الكشف المبكر عن حالات التعدي. - تعزيز دور الأسرة والإعلام المحورى للتصدى للظاهرة يكمن في :
-تعزيز ثقافة الحوار والاحتواء داخل الأسرة.
-رفض العنف كأسلوب تربية.
-توجيه الإعلام لتقديم محتوى توعوي يحترم حقوق الطفل.
-إتاحة منصات للأطفال للتعبير عن آرائهم ومشكلاتهم. - ومع ذلك تتواجد العديد من التحديات الكبرى في وجه التصدى للظاهرة :
على الرغم من وجود قانون الطفل المعدل رقم 126 لسنة 2008، فإن التطبيق على أرض الواقع يواجه تحديات منها:
-ضعف الوعي المجتمعي بحقوق الطفل.
-نقص التدريب لدى بعض الجهات المنوط بها الحماية.
-الخوف من الوصمة الاجتماعية يمنع بعض الأسر من التبليغ.
-غياب التنسيق الفعال بين الجهات المعنية. - تم وضع عدد من التوصيات والتصورات المقترحة لتعزيز الوقاية والحماية كالتالى:
لكن هذه الجهود تحتاج إلى دعم مجتمعي حقيقي ، يتضمن:
-رفع وتعزيز وعي الأسرة بحقوق الطفل من خلال برامج توعية وتدريب للآباء والأمهات والمعلمين على أساليب وطرق التربية الإيجابية.
-تشجيع ثقافة التبليغ تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم والتبليغ وعدم الصمت عند التعرّض لأي انتهاك.
-دمج وإدراج مفاهيم ثقافة حقوق وحماية الطفل في المناهج الدراسية لتعزيز وعي الأطفال بحقوقهم.
-توسيع صلاحيات لجان حماية الطفل على مستوى المحافظات.
-توفير مراكز دعم نفسي وتأهيلي للأطفال ضحايا العنف.
-توسيع رقعة إنشاء وحدات حماية الطفل في كل محافظة.
-تعزيز التشبيك بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لحماية الأطفال.
-تخصيص ميزانية كافية لخدمات الحماية والرعاية اللاحقة.
كما أن التصدي لظاهرة التعدي على الأطفال بفعالية من الضروري ان يتم النظر في تعديل أو استحداث قوانين تسد الثغرات الحالية ، وتشديد الرقابة والعقوبة على المعتدى، وتدعيم الوقاية والرعاية لهم .
• فيما يلي أبرز القوانين والسياسات التي ينبغي تعديلها أو تعزيزها/
قانون العقوبات :
– تجريم صريح لكل أشكال التعدي على الأطفال ( جسدي، نفسي، جنسي، اقتصادي )
– تغليظ العقوبات على الجناة خصوصاً في حال وجود علاقة سلطة ( أب، معلم، مسؤول عنه )
– عدم إسقاط العقوبة بالتصالح أو التنازل في قضايا التعدي على الأطفال.
قانون حماية الطفل / حقوق الطفل:
– تحديد واضح لمفاهيم “العنف”، “الإهمال”، “الاستغلال ” بحيث تشمل السياقات الأسرية والمؤسسية والرقمية.
– إلزام الجهات المختصة (المدارس، المستشفيات، الشرطة) بالتبليغ عن حالات الاشتباه دون الحاجة لشكوى رسمية.
– منح الأطفال ضحايا التعدي حق اللجوء للحماية القانونية مباشرة حتى دون وجود ولي الأمر.
قوانين الأسرة / الأحوال الشخصية:
– مراجعة قوانين الحضانة والوصاية لضمان عدم بقاء الطفل في بيئة مؤذية.
– منع التأديب الجسدي للأطفال باسم التربية في القانون.
قانون تنظيم الصحافة والإعلام :
– تجريم الاستغلال الجنسي الرقمي للأطفال، وتقييد المواد العنيفة أو الإباحية التي قد تؤثر عليهم.
– فرض رقابة أكبر على المحتوى الإلكتروني، وتشجيع مزودي الخدمة على التبليغ عن الانتهاكات.
قانون العمل:
حيث انه وفقًا لآخر البيانات الرسمية المتاحة ، يُقدَّر عدد الأطفال العاملين في مصر بنحو 1.6 مليون طفل، وذلك وفقًا لمسح وطني أُجري عام 2010. ومنذ ذلك الحين، أظهرت الإحصاءات انخفاضًا في نسبة عمالة الأطفال. ففي عام 2021، بلغت نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا ويشاركون في أنشطة اقتصادية أو أعمال منزلية حوالي 5.6%، مقارنة بـ7% في عام 2014.
– يتم منع عمالة الأطفال بشكل صارم، وفرض عقوبات على المؤسسات والأفراد المخالفين.
– تحديد ساعات عمل مناسبة، وظروف عمل آمنة في حال السماح بوظائف بسيطة لفئات عمرية معينة وفق القانون.
قانون الإجراءات الجزائية:
– استحداث آليات صديقة للطفل أثناء التحقيق والمحاكمة (كالتحقيق بواسطة مختصين نفسيين، تسجيل الشهادة بالفيديو، حماية هوية الضحية )
– تسريع المحاكمات في قضايا التعدي على الأطفال.
وفي نهاية حوارنا نحن جميعا نعلم إن مستقبل مصر يبدأ من اطفالها بُناة المستقبل وأملها ، وإن التعدي عليهم ليس فقط جريمة ، بل هو تهديد مباشر لمستقبل الوطن ، فالمطلوب اليوم ليس فقط النظر الى التشريعات ، بل تغيير ثقافي شامل يضع مصلحة الاطفال في المقام الأول ، وحمايتهم مسؤولية جماعية تتطلب التعاون بين الأسرة، المدرسة، الدولة، ووسائل الإعلام ، فمجتمع لا يصون أطفاله لا يستطيع بناء مستقبل آمن ومستقر.