الدكتور عصام شرف : نداء العصر: بناء مجتمع المستقبل المشترك... لماذا وماذا وكيف؟

كتبت : فاطمة بدوي .
قال الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق فى مقالة له نشرتها وكالة شينخوا الصينية أن :
الحديث عن الصين يعني إدراك ليس فقط قوتها الاقتصادية ونفوذها العالمي، بل أيضا قدرتها الفريدة على تحقيق التوازن بين القوة والتعاون.
إن استعداد الصين لمساعدة الآخرين من خلال قيمها الثقافية المتجذرة في الانسجام والتعاون يميزها على الساحة العالمية. لذلك، قررت في هذا المقال استكشاف التحديات العالمية في عصرنا ودراسة كيف يقدم النهج الحضاري الفريد للصين وقيمها الثقافية الراقية منظوراً مميزاً للتغلب عليها.
إن عالمنا على مفترق طرق، يجب أن نقرر ما إذا كنا سنحافظ على الوضع الراهن ونواجه احتمال التدمير الذاتي أو نرسم مساراً جديداً نحو التناغم والسلام والازدهار العالمي من خلال إجراء تغييرات كبيرة لإنقاذ حضارتنا، لا يمكن لأي بلد منفردة أو حتى إقليم منفرد مواجهة هذه التهديدات العالمية، نحن إنسانية واحدة، ويجب أن نعمل ونتعاون تحت هذا العنوان.
في البداية أود أن أسلط الضوء على المساهمة الكبيرة لأرنولد توينبي، المؤرخ الشهير الذي كتب دراسة من 12 مجلدا بعنوان “دراسة للتاريخ”. هذا البحث الشامل، الذي أجري على مدى 30 عاماً، يتعمق في صعود وسقوط الحضارات.
قدم توينبي مفهوم “التحدي والاستجابة”، الذي يقترح أن الحضارات تزدهر عندما تستجيب بحكمة وذكاء للتحديات الوجودية التي تواجهها، لكنها تتدهور عندما تفشل في الاستجابة لهذه التحديات بشكل مبتكر.
ولمواجهة التهديدات الوجودية التي تواجه حضارتنا، يجب أن تكون لدينا رؤية واضحة للمستقبل الذي نتجه إليه، يجب أن نسعى معاً من أجل مستقبل مزدهر للجميع، متحدين لبناء مجتمع عالمي أكثر تناغماً وتعاوناً. وتؤكد هذه الفكرة على أهمية نداء العصر: بناء مجتمع المستقبل (المصير) المشترك، كما يؤكده الرئيس الصيني شي جين بينغ، باستمرار.
وفي هذا السياق، هناك ثلاثة أسئلة تتعلق بمجتمع المستقبل (المصير) المشترك، أولا، ماذا يعني؟ مجتمع المستقبل (المصير) المشترك يعني أن جميع البلدان تتمتع بسيادة متساوية – لا يمكن لأي بلد التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين؛ وأن البلدان يجب أن تدير الشؤون العالمية بشكل مشترك وديمقراطي بدلاً من إملاءات الدول الأقوى؛ وأن البلدان يجب أن تشارك في “تعاون مربح للأطراف المشاركة” من أجل “بناء عالم من الرخاء والازدهار المشترك”؛ وأن البلدان يجب أن تتعامل مع تنوع الحضارات ليس باعتباره “مصدر صراع عالمي، بل كمحرك يدفع تقدم الحضارات الإنسانية”.
ثانيا، ما هي التغييرات المطلوبة في العلاقات الدولية؟ هناك ما لا يقل عن خمسة تغييرات رئيسية في العلاقات الدولية هي: تطوير نموذج جديد للمنافسة بين القوى الكبرى، والتحول من المخاوف والثمن الباهظ للصراعات العسكرية إلى التركيز على مواجهة المخاطر غير التقليدية مثل: المناخ والصحة والتنمية وغيرها، وتعزيز التعاون الإقتصادي المربح لجميع الأطراف بدلاً من المنافسة التجارية والتكنولوجية المدمرة، ودمج الممارسات والحوكمة غير الغربية مع النظام الغربي للقيم العالمية من خلال قانون دولي عادل يخضع له الجميع، وإدارة التنمية الاقتصادية بطريقة تضمن التوازن البيئي.
ثالثا، كيف يمكن بناء مجتمع المستقبل (المصير) المشترك؟ يهدف بناء مجتمع المستقبل (المصير) المشترك إلى تحقيق الرخاء العالمي الذي يشارك فيه الجميع. لتحقيق ذلك، نحتاج إلى آليات لتحقيق الثقة والسلام والتنمية على الصعيد العالمي، مما يؤدي في النهاية إلى الرخاء العالمي.
في هذا المجال لسنا مضطرين لإعادة اختراع العجلة لتحقيق هذه الأهداف. لقد قدمت الصين هذه القيم والآليات اللازمة للعالم من خلال مبادرات عالمية، والتي أعتقد أنها لبنات أساسية لتشكيل مجتمع المستقبل (المصير) المشترك، حيث قامت الصين بإطلاق أربع مبادرات عالمية لتحقيق القيم الإنسانية الأربع: التواصل والثقة والسلام والتنمية، على النحو التالي: مبادرة الحزام والطريق (BRI) هي منصة تعاون تهدف إلى تحسين التواصل العالمي من خلال مشاريع البنية التحتية المادية وأنشطة التواصل الناعم بين الشعوب.
وتهدف مبادرة الحضارة العالمية (GCI) إلى تعزيز الثقة والاحترام بين الأفراد من مختلف الثقافات والحضارات في جميع أنحاء العالم، تركز مبادرة الأمن العالمي (GSI) على حل النزاعات من خلال الحوار والتشاور لتحقيق حلول سلمية ولمنع العودة إلى حقبة الحرب الباردة. أخيراً، تقدم مبادرة التنمية العالمية خارطة طريق واضحة للتنمية من خلال مجموعتها الفريدة من المفاهيم والأولويات الأساسية.
في الحقيقة فإنه يمكن النظر إلى هذه المبادرات كحزمة متماسكة تمهد الطريق لبناء مجتمع المستقبل (المصير) المشترك. عندما يدعمها دعاة السلام والتنمية، سوف توجهنا هذه المبادرات نحو عالم يمكن فيه للجميع الاستمتاع بمستقبل مزدهر وأن يكونوا جزءاً من نظام عالمي جديد تحدده العلاقات الدولية القائمة على الحوار، وتحكمه عالمياً القواعد والتعددية الحقيقية.
من الجدير بالذكر أن القيم الإنسانية الكامنة وراء هذه المبادرات، وهي الثقة والسلام والتنمية والازدهار، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الصينية. بصفتي سفير الثقافة والتناغم للمنتدى العالمي حول ثقافة “He He” عام 2024 ، أود أن أؤكد على هذا الارتباط. لا أجد أفضل مما لخصه الرئيس الصيني، عن ثقافة “He He” بإيجاز في الكتاب بعنوان “تشجيانغ، الصين: رؤية جديدة للتنمية”: “لقد كون أسلافنا ثقافة لا مثيل لها، وجزء أساسي منها هو ثقافة “He He”.
“He” الأولى تشير إلى الانسجام والسلام والتوازن. “He” الثانية تشير إلى التقارب والوحدة والتعاون. تعكس هذه الشمولية في التفكير التقليدي “تقدير الانسجام واحترام التوازن”، “التفهم والانفتاح”، “احتضان العالم بالفضيلة، والعيش في وئام وتناغم وليس تطابق”.
هذا هو المثل الثقافي الذي يسعى إليه شعبنا. الانسجام بين الطبيعة والمجتمع وبين الفرد والجماعة هو المثل الأعلى لشعبنا وأساس تماسكنا وإبداعنا. أعتقد أن قيم الثقافة الصينية تتوافق بشكل وثيق مع تلك اللازمة لبناء مجتمع المستقبل (المصير) المشترك: الثقة والسلام والتنمية. بالإضافة إلى ذلك، أنا مقتنع بأن الثقافة الصينية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في إقامة نظام عالمي قائم على الحوار والقواعد والتعددية، مما يسمح لجميع الدول بالإزدهار وتقاسم مستقبل مزدهر مشترك.
حان الوقت للتنقيب في الماضي لاكتشاف مبادئ أجدادنا القيمة والفاضلة، واستخدام هذه الكنوز التي لا تقدر بثمن لتشكيل مستقبلنا، والتأكيد على أن التحديات التي تواجه المجتمع العالمي تتطلب تعاوناً عالمياً دون أي إستثناءات. حان الوقت لتضافر الجهود والعمل معاً بروح ثقافة التناغم والتعاون ومستجيبين بإخلاص لنداء العصر: بناء مجتمع المستقبل (المصير) المشترك. وأذكر نفسي والجميع أن المستقبل ليس زمن ننتظره، المستقبل واقع نصنعه.