التقييم في نظم التعليم المختلفة: هل نقيس الفهم أم نحكم على المستقبل؟

كتب : الدكتور ناصر الجندي
الامتحان لا يقيس كل شيء!
في كل عام، يجلس ملايين الطلاب حول العالم أمام أوراق الامتحانات، وكأنهم في سباق مصيري، يُحدد فيه مستقبلهم بناءً على ساعات قليلة من الإجابة على أسئلة قد لا تعكس قدراتهم الحقيقية. هل هذا هو أفضل نظام لقياس التعلم؟ أم أن التقييم يجب أن يكون وسيلة للتطوير، وليس مجرد حكم نهائي على الطالب؟
يقول ألبرت أينشتاين:
“الجميع عباقرة، لكن إذا حكمت على سمكة بقدرتها على تسلق شجرة، فستعيش طوال حياتها مؤمنة أنها غبية.”
(Neff, 2011).
هذه العبارة تعكس تمامًا مشكلتنا مع التقييم في كثير من نظم التعليم: هل نقيس فعلاً قدرات الطلاب؟ أم أننا نضعهم جميعًا في اختبار موحّد لا يراعي اختلافاتهم الفردية؟
في هذا المقال، سنستكشف كيف يتم التقييم في نظم التعليم المختلفة، وما الذي يجعل بعضها أكثر نجاحًا من غيرها، وكيف يمكننا تطوير نظم التقييم لتصبح أكثر عدلاً وإنصافًا.
1- ما هو التقييم ولماذا هو مهم؟
التقييم في التعليم ليس مجرد وسيلة لمنح الدرجات، بل هو أداة لقياس مدى استيعاب الطلاب للمعرفة، وتحفيزهم على تحسين أدائهم، وإرشادهم نحو تطوير مهاراتهم.
وفقًا لبحث أجراه Black & Wiliam (1998)، فإن التقييم الجيد لا يساعد فقط في قياس الأداء، بل يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز التعلم نفسه، إذا تم استخدامه بشكل صحيح.
إذن، لماذا نقيّم الطلاب؟
لقياس مدى فهمهم للمواد التعليميه
لتقديم ملاحظات تساعدهم في تحسين مستواهم.
لتحديد نقاط القوة والضعف لديهم
لتحفيزهم على التفكير النقدي والإبداعي.
لكن، هل يتم تطبيق التقييم بنفس الطريقة في جميع دول العالم؟ بالطبع لا، فهناك اختلافات كبيرة بين الأنظمة التعليمية.
2- أنواع التقييم في التعليم
أ) التقييم التكويني (Formative Assessment)*
يُستخدم هذا النوع أثناء العملية التعليمية لمساعدة الطلاب على التعلم وليس فقط لقياس الأداء النهائي.
أمثلة:
الاختبارات القصيرة غير الرسمية. المشاريع الجماعية والعروض التقديمية
التغذية الراجعة المستمرة من المعلم.
نموذج عالمي:
في فنلندا، يعتمد النظام التعليمي على التقييم التكويني، حيث يهدف إلى تطوير الطالب بدلاً من مجرد قياس أدائه في الامتحانات النهائية (Sahlberg, 2015).
ب) التقييم الختامي (Summative Assessment)*
يحدث في نهاية الدورة الدراسية أو العام الدراسي لقياس مدى تحقيق الطلاب للأهداف التعليمية.
أمثلة:
الامتحانات النهائية.
المشاريع البحثية النهائية.
نموذج عالمي:
في الصين، يعتمد نظام التعليم على امتحانات وطنية موحدة مثل “Gaokao”، والتي تحدد مستقبل الطلاب بالكامل (Zhao, 2014)
ج) التقييم الذاتي وتقييم الأقران
يشجع الطلاب على تقييم أنفسهم أو تقييم زملائهم بناءً على معايير محددة، مما يعزز التفكير النقدي.
نموذج عالمي:
في كندا، يتم استخدام التقييم الذاتي بشكل واسع، مما يمنح الطلاب فرصة لتحليل نقاط ضعفهم وتحسينها (Earl, 2003).
د) التقييم القائم على الأداء (Performance-Based Assessment)
يركز على تنفيذ مهام حقيقية بدلاً من مجرد الإجابة على أسئلة نظرية.
أمثلة:
إجراء تجارب علمية.
تصميم مشاريع هندسية أو فنية.
نموذج عالمي:
في سنغافورة، يتم تقييم الطلاب بناءً على قدرتهم على حل المشكلات والابتكار، مما يعزز التفكير الإبداعي (Goh, 2017).
3- مقارنة بين نظم التقييم المختلفة حول العالم
فنلندا: التعلم بدون ضغط الامتحانات
في فنلندا، لا يوجد امتحانات موحدة للطلاب، بل يتم تقييمهم بشكل مستمر من خلال المشاريع والمشاركة الصفية، مما يقلل من التوتر ويعزز الاستقلالية (Sahlberg, 2015).
الصين: السباق نحو الامتحانات الموحدة
في الصين، يخضع الطلاب لامتحان “Gaokao”، الذي يُعد بوابة القبول في الجامعات، لكنه يخلق ضغطًا نفسيًا هائلًا، ويجعل التعليم يعتمد على الحفظ أكثر من الفهم (Zhao, 2014).
الولايات المتحدة: مزيج من الطرق المختلفة
في الولايات المتحدة، يتم الجمع بين التقييم المستمر والاختبارات المعيارية مثل SAT وACT، لكن هناك تفاوتًا بين المدارس في تطبيق نظم التقييم (Earl, 2003).
سنغافورة: التركيز على الأداء العملي
في سنغافورة، يتم تشجيع الطلاب على التفكير النقدي وحل المشكلات من خلال مشاريع عملية، مما يجعل التعليم أكثر ارتباطًا بالحياة الواقعية (Goh, 2017).
4- التقييم في مصر: هل يعكس قدرات الطلاب الحقيقية؟*
في مصر، يعتمد النظام التعليمي بشكل أساسي على الامتحانات النهائية، حيث تُحدد الدرجات مستقبل الطلاب الأكاديمي. ويعتمد القبول الجامعي على المجموع الكلي، مما يجعل التعليم يركز على الحفظ أكثر من الفهم.
المشكلات في نظام التقييم المصري:
الاعتماد الكبير على الحفظ: معظم الامتحانات تركز على استرجاع المعلومات بدلاً من تحليلها أو تطبيقها.
غياب التقييم التكويني: لا يوجد تقييم مستمر يساعد الطلاب على التحسين قبل الامتحانات النهائية.
التوتر والضغط النفسي: يتسبب النظام الحالي في ضغط كبير على الطلاب، حيث يتم تقييمهم بناءً على اختبار واحد فقط.
كيف يمكن تحسين التقييم في مصر؟
إدخال التقييم المستمر: يجب دمج التقييم التكويني بحيث يتم تقييم الطلاب بشكل دوري وليس فقط في نهاية العام.
تنويع طرق التقييم: بدلاً من الاعتماد على الامتحانات فقط، يجب إدخال المشاريع، العروض التقديمية، والتقييم القائم على الأداء.
الحد من الامتحانات الموحدة:
يمكن تقليل تأثير الامتحانات النهائية من خلال توزيع الدرجات على مهام متعددة طوال العام الدراسي.
5- هل التقييم عادل؟
في النهاية، التقييم ليس مجرد وسيلة لتصنيف الطلاب، بل يجب أن يكون أداة تساعدهم على التطور. إذا أردنا بناء أجيال قادرة على الابتكار والتفكير النقدي، علينا إعادة النظر في طرق التقييم، والتأكد من أنها تقيس الفهم الحقيقي بدلاً من مجرد قدرة الطلاب على الحفظ.
كما يقول جون ديوي:
“التعليم ليس استعدادًا للحياة، بل هو الحياة نفسها.”
(Dewey, 1916).
والسؤال لك الآن: هل تعتقد أن نظام التقييم في بلدك يعكس قدرات الطلاب الحقيقية؟ شاركنا رأيك!
المراجع
- Black, P., & Wiliam, D. (1998). Assessment and classroom learning. Assessment in Education: Principles, Policy & Practice, 5(1), 7-74.
- Dewey, J. (1916). Democracy and education. Macmillan.
- Earl, L. M. (2003). Assessment as learning: Using classroom assessment to maximize student learning. Corwin Press.
- Goh, C. (2017). Education in Singapore: Developments since 1965. Asian Education and Development Studies, 6(1), 50-65.
- Neff, J. (2011). Einstein: His life and universe. Simon & Schuster.
- Sahlberg, P. (2015). Finnish lessons 2.0: What can the world learn from educational change in Finland? Teachers College Press.
- Zhao, Y. (2014). Who’s afraid of the big bad dragon? Why China has the best (and worst) education system in the world. Jossey-Bass.