ننشر ...كلمة المنسقة المقيمة للأمم المتحدة إلينا بانوفا مؤتمر "مصر والأمم المتحدة: ثمانون عاماً من الإسهام"
كتبت: فاطمة بدوى
القت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة إلينا بانوفا كلمة خلال الجلسة الافتتاحية خلال الجلسة الافتتاحية مؤتمر “مصر والأمم المتحدة: ثمانون عاماً من الإسهام”سعادة السفير الجويلي، جاء فيها : سعادة الأستاذ الدكتور عبد الصادق، أود أن أتقدم بخالص الشكر لجامعة القاهرة ووزارة الخارجية على هذه المبادرة المتميزة، التي تأتي في إطار الاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة – ثمانون عامًا من العمل المشترك لتعزيز السلام وترسيخ الأمل في مستقبل أفضل للبشرية. كعضو مؤسس للأمم المتحدة، تمتلك مصر سجلًا حافلًا ومشرفًا على مدار العقود الثمانية الماضية، حيث أثبتت باستمرار دورها كشريك مسؤول وفاعل في المنظومة متعددة الأطراف. إن دور مصر القيادي هو دور ممتد منذ تأسيس حركة عدم الانحياز، ولا يزال بارزًا اليوم من خلال تأثيرها في مجموعة الـ 77. وقد انعكس هذا الدور الريادي من خلال شخصيات مصرية بارزة ساهمت في قيادة العمل الدولي، ومن بينهم: الدكتور مصطفى كمال طلبة، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) من عام 1975 إلى 1992. الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة من عام 1992 إلى 1996. معالي غادة والي، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC). الطلاب الأعزاء، يسعدني أن أستعرض معكم ثلاثة محاور رئيسية: أولًا: أهمية الأمم المتحدة في عالمنا اليوم. يسرني ويشرفني أن أكون بينكم اليوم. ثانيًا: الأجندة التي تتبناها الأمم المتحدة، وكيفية تطورها عبر الزمن. ثالثًا: دور الأمم المتحدة في تنفيذ هذه الأجندة على المستوى العالمي، وكذلك من خلال أنشطتها في مصر. تواجه الإنسانية، كمجتمع عالمي، تحديات غير مسبوقة من حيث الحجم والتعقيد، ولا يمكن لأي دولة التصدي لها بمفردها. من أزمة المناخ إلى تصاعد النزاعات والحروب المستمرة، ومن قضايا تنظيم أسلحة الدمار الشامل إلى الأزمات الصحية مثل جائحة كوفيد-19، وصولًا إلى نظام الحماية الدولية للاجئين – وجميعها قضايا تتطلب استجابة جماعية متعددة الأبعاد. لا توجد دولة محصنة ضد هذه التحديات، مما يجعل التعاون الدولي أمرًا لا غنى عنه. لهذا السبب، أصبح العمل متعدد الأطراف ضرورة حتمية، فالتعامل مع هذه الأزمات يتطلب حلولًا جماعية، وليس جهودًا فردية. على مدار العقود الماضية، تطورت الأمم المتحدة لمواكبة عالم سريع التغير، لكن جوهر رسالتها ظل ثابتًا: فهي لا تزال المكان الوحيد في العالم الذي تجتمع فيه كل دول العالم لمناقشة التحديات المشتركة والوصول إلى حلول مشتركة لصالح البشرية جميعا والأجيال القادمة. في ظل التحديات الراهنة، أصبح دور الأمم المتحدة أكثر أهمية من أي وقت مضى، فهي تمثل رمزًا للتضامن في عالم يشهد تزايد الانقسامات، كما أنها توفر منبرًا فريدًا للحوار الدولي من أجل إيجاد حلول للأزمات متعددة الأبعاد، بما في ذلك النزاعات وأزمة المناخ. أنتقل الآن إلى المحور الثاني: ما هي أجندة الأمم المتحدة؟ وكيف تطورت لمواكبة التحديات العالمية المتغيرة؟ تعد أهداف التنمية المستدامة (SDGs) الركيزة الأساسية لعمل الأمم المتحدة، وهي مجموعة من 17 هدفًا عالميًا مترابطًا اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، ومن المنتظر تحقيقها بحلول عام 2030. تشكل هذه الأهداف إطارًا عالميًا شاملًا للقضاء على الفقر، وحماية البيئة، وتعزيز الرخاء والازدهار للجميع. تستند أهداف التنمية المستدامة إلى مبدأ التكامل والترابط، حيث تعكس حقيقة أن الفقر، وعدم المساواة، والتدهور البيئي ليست تحديات منفصلة، بل متشابكة وتتطلب حلولًا متكاملة. ولهذا، فهي غير قابلة للتجزئة وتشكل خارطة طريق موحدة لجميع الدول، بما في ذلك مصر، من أجل بناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة. كما أن أجندة 2030 للتنمية المستدامة واتفاق باريس للمناخ يمثلان التزامًا عالميًا مشتركًا بتحقيق مستقبل أكثر استدامة، يقوم على مبدأ عدم ترك أحد خلف الركب. مع تصاعد الضغوط العالمية التي تهدد القيم الأساسية للأمم المتحدة، أدركت الدول الأعضاء ضرورة تبني مقاربة جديدة لمواجهة التحديات المترابطة التي يواجهها العالم؛ مقاربة تتجاوز الحلول التقليدية المجزأة وتتبنى رؤية شاملة وأكثر تكاملًا واستشرافًا للمستقبل. في هذا الإطار، عقدت الأمم المتحدة قمة المستقبل في سبتمبر 2024، والتي شكلت منعطفًا حاسمًا لقادة العالم لمناقشة التحديات الراهنة، والتخطيط للتعامل مع الأزمات المستقبلية، وتعزيز التعاون الدولي، وإصلاح منظومة الحوكمة العالمية، لضمان نظام عالمي أكثر عدالة وفاعلية. أكدت قمة المستقبل الحاجة إلى إعادة ضبط جوهرية للنظام الدولي، وإعادة تصور آليات التعاون العالمي بما يتماشى مع التغيرات العميقة التي طرأت على العالم منذ تأسيس الأمم المتحدة. وقد مثلت القمة لحظة تحول فارقة، أسهمت في تعزيز مستقبل أكثر استدامة وسلامًا وعدالة للجميع، مع ضمان قدرة الأمم المتحدة على مواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين والاضطلاع بدورها بفعالية. أسفرت القمة عن اعتماد الميثاق من أجل المستقبل، وهو وثيقة استراتيجية تحدد إجراءات عملية في مجالات رئيسية تشمل: التنمية المستدامة لماذا نحتاج إلى الأمم المتحدة اليوم؟ السلام والأمن الدوليين تمكين الشباب التعاون الرقمي يجسد هذا الميثاق رؤية متكاملة للتعاون الدولي، حيث يعيد التأكيد على الدور المحوري للأمم المتحدة في مواجهة التحديات العالمية، ويشدد على أهمية تجديد الالتزام بتعددية الأطراف. باعتبارها دولة رائدة إقليميًا وشريكًا فاعلًا في تشكيل منظومة الحوكمة العالمية، لعبت مصر دورًا محوريًا في القمة ومخرجاتها، حيث ساهمت بفاعلية في صياغة الأولويات العالمية، لا سيما في المجالات التالية: تعزيز السلم والأمن الدوليين تمويل التنمية العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتعاون الرقمي إصلاح منظومة الحوكمة العالمية تمكين الشباب والأجيال القادمة يظهر التزام مصر الراسخ بالتعاون متعدد الأطراف من خلال استضافتها لفعاليات دولية كبرى، أبرزها: مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP27)، الذي مثل نقطة تحول في الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي. المنتدى الحضري العالمي في دورته الثانية عشرة، الذي أسهم في تعزيز التنمية الحضرية المستدامة على المستوى العالمي. علاوة على ذلك، تحتضن مصر جامعة الدول العربية، التي تعد ركيزة أساسية للعمل متعدد الأطراف في المنطقة، كما تستضيف مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام (CCCPA)، وهو مركز تميز إفريقي يقود الجهود الإقليمية لتعزيز السلام من خلال منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة. تعكس هذه الجهود مجتمعة الدور القيادي لمصر على الساحة الدولية، وتؤكد مكانتها كفاعل رئيسي في تشكيل مستقبل الحوكمة العالمية، بما يسهم في تحقيق نظام دولي أكثر عدالة وفاعلية. أعود إلى نقطتي الختامية: كيف تساهم الأمم المتحدة في هذه الأجندة على الصعيد العالمي، وكذلك من خلال منظومة الأمم المتحدة في مصر؟ تُعد الأمم المتحدة، وبلا منازع، أكبر جهة مساهمة في تقديم المساعدات الإنسانية على مستوى العالم، حيث تعمل وكالاتها بلا توقف في مناطق النزاعات والكوارث الطبيعية، بغض النظر عن المخاطر المحيطة. وقد لعبت المنظمة دورًا جوهريًا في إيصال المساعدات الإنسانية ضمن بيئات معقدة وصعبة، كما هو الحال في غزة، والسودان، وأوكرانيا، حيث سعت إلى تقديم حلول عملية للوصول إلى الفئات الأكثر احتياجًا، والذين تعد المساعدات الإنسانية بالنسبة لهم مسألة بقاء. كما وكانت شديدة الفعالية فيما يتعلق بتغير المناخ، وأعتقد أنه ربما كان الصوت الأقوى فيما يتعلق بتغير المناخ هو صوت الأمم المتحدة. كذلك فإن الأمم المتحدة هي مناصر قوي لإصلاح النظام المالي الدولي، حيث تعمل على الدفع نحو نموذج تمويلي أكثر إنصافًا، يرتكز على أهداف مشتركة وشراكات متوازنة بين الدول الأعضاء. وبالنسبة إلى الأمم المتحدة في مصر، فإن تواجد الأمم المتحدة في مصر يُعد من بين الأكبر في المنطقة، حيث تضم 31 مكتبًا، منها 18 مكتبًا إقليميًا. ومنذ انطلاق شراكتها مع مصر عام 1952، بلغ عدد موظفي الأمم المتحدة في مصر، بحلول عام 2022، أكثر من 2500 موظف. إن تواجدنا المكثف والممتد منذ وقت طويل يعكس تعاوننا القوي مع مصر. وفي السياق التنموي، تتميز الأمم المتحدة بثلاث مزايا تنافسية رئيسية: أولا، تُقدم الأمم المتحدة إرشادات سياساتية متكاملة ودعمًا برامجيًا لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن خلال الاستفادة من خبرات منظومة الأمم المتحدة الإنمائية برمتها، تتيح المنظمة نماذج ناجحة قابلة للتوسع والتطبيق على نطاق أوسع، بالتعاون مع الحكومة المصرية وشركاء التنمية. ثانيا، تملك الأمم المتحدة في مصر قوة جامعة فريدة، كشريك موثوق للحكومة المصرية، والمجتمع الدولي، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص. ومن خلال هذه الميزة، تعمل الأمم المتحدة على تنسيق الجهود التنموية، وتطوير شراكات مبتكرة، وتعزيز النقاشات حول القضايا الاستراتيجية الناشئة. ثالثا، تقدم الأمم المتحدة دعما مباشرا مستهدفا لفئات محددة في مصر تواجه خطر التأخر عن الركب. ويشمل هذا توفير الخدمات الأساسية في مجالات كالصحة، والتعليم، والغذاء والتغذية، للاجئين، والمهاجرين، وغيرهم في السياقات الضعيفة. وبهذا الدعم نسعى إلى الاستجابة لوعد أهداف التنمية المستدامة بعدم ترك أحد خلف الركب. وعلاوة على التقدم في تحقيق التنمية، عملت الأمم المتحدة ومصر بشراكة فعالة في التصدي للأزمات الإنسانية. وتُبرز الأحداث الأخيرة في السودان وغزة مدى أهمية هذا التعاون. وقد كانت قيادة مصر في الاستجابة لتلك الأزمات شهادة على التزامها بالإنسانية والتضامن. وفي هذا السياق، سخرت الأمم المتحدة في مصر كامل إمكانياتها لدعم هذه الجهود، من خلال العمل الوثيق مع الهلال الأحمر المصري والشركاء الآخرين، لضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفئات الأكثر احتياجًا. وبينما نتطلع إلى المستقبل: هل نفعل ما يكفي؟ هل نتحرك بالسرعة المطلوبة؟ مع اقتراب الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، لا يمثل هذا الحدث مجرد لحظة احتفال بإنجازات المنظمة في مجالات السلام، والتنمية، وحقوق الإنسان، بل هو فرصة للتأمل والنظر في التحديات المقبلة. ولذلك، فإن الحوار معكم، أنتم قادة المستقبل في مصر والعالم هو حوار شديد الأهمية. أيها الشباب الأعزاء، أيها الشركاء الكرام، التزام مصر المستمر بالتعددية والتعاون الدولي أود أن أختتم حديثي بكلمات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: “إن القيم التي ارتكز عليها ميثاق الأمم المتحدة طوال الثمانين عامًا الماضية—السلام، والتنمية، وحقوق الإنسان، والفرص للجميع—هي قيم خالدة لا تسقط بمرور الزمن.” وفي هذا السياق، نأمل أن تُعمّق هذه الشراكة التزامنا المشترك بقيم ميثاق الأمم المتحدة، بينما نواصل العمل معًا من أجل عالم أكثر عدالة، ومستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة. أشكركم على استماعكم، وأتمنى لكم ورشة عمل ناجحة.