اراء ومقالات

من وراء هذه الضحايا ؟

بقلم : قوت الشمري

من وراء هذه الضحايا؟
سؤال يمتد في عمقه ليصبح مرآة تعكس هشاشتنا كبشر، ويكشف عن شبكة معقدة من الأسباب التي تتداخل بين إرادة الفرد وجبروت القوى الخارجية !
نتساءل: هل الجاني الحقيقي هو الصمت ؟
ذلك الثقل الخفي الذي نحمله كإرث غير مرئي، حيث نختبئ خلفه خشية المواجهة ؟
أو ربما لأننا وجدنا في الصمت لغة نبرر بها استسلامنا ؟
أو ربما هو التنازل المستمر، ذلك الفعل الذي يبدو في ظاهره تضحية صغيرة لكنه يتحول مع الزمن إلى رضوخ كامل يشكل المأساة الكبرى؟
وربما هم الآخرون !
أولئك الذين يتقنون فنون السيطرة ويَبنون عروشهم فوق أنقاض ضعفنا! لكن هل يمكن للقوة أن توجد دون قبول ضمني من الضعف ؟!
هل جبروتهم حقيقة أم انعكاس لعجزنا عن الوقوف في وجههم ؟!
أم أن المسؤولية أعمق من ذلك ؟! لعلها تمتد إلى تلك القيود التي لم نخترها، تلك العادات والتقاليد التي تسللت إلى أرواحنا كقوانين غير قابلة للمسائلة، فحولتنا إلى أسرى في قفص صنعناه بأنفسنا معتقدين أنه حتمية لا مفر منها؟
أو لعل الجاني هو ذلك الذي نعلق عليه إخفاقاتنا ومفهومنا الغامض له بأنه القدر !
تلك القوة الخفية الغيبية التي نلقي عليها عبء أوجاعنا حين لا نجد تفسيرًا آخر !
لكن هل القدر حقًا قوة خارجة عن سيطرتنا ؟!
أم أنه نسيج نحيكه نحن بأفعالنا بخياراتنا بصمتنا وبتنازلاتنا؟
ولكن وسط كل هذه التساؤلات !
يبقى الجواب الحقيقي بعيدًا عن مجرد البحث عن الجاني !
.. التحرر من دور الضحية لا يبدأ بإلقاء اللوم !
أن تكون ضحية ليس حالة تُفرض عليك بل هو تماشٍ مع دور يمكن رفضه !
التحرر يبدأ من الداخل حين تدرك أن الصمت الذي يأسرك يمكن كسره بصوتك مهما بدا ضعيفًا !
حين تعي أن تنازلاتك الصغيرة هي ما تشعل نار الظلم ،،
وأن رفضك حتى لو بدا بلا أثر هو أولى خطوات الحرية ،،
ليس التحرر تمردًا على القدر فقط !
بل هو ثورة على القيد الداخلي
على الموروث الذي لم يعد يخدمك وعلى العادات التي صارت ثقيلة كالسلاسل !
إنه اختيار الفعل بدل الانتظار !
والإيمان بأنك لست ملزماً بالآخرين، بل صانع لروايتك و محدداً بعناية اختيار الاشخاص داخل هذه القصة وتعي تماماً دور كل فرد بهم في البطولة او المشاركة او حتى ضيوف الشرف !
في النهاية، التحرر ليس غياب الألم ولا هروبًا من الجراح !
بل هو إعادة تعريف الذات بعيدًا عن كل ما حاول كسرها !
أن تكون حرًا يعني أن ترفض أن تكون الضحية !
وأن تتحول إلى القوة التي تنحت مصيرها بيديها !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى