الحزام والطريق قراءة في مشهد التجارة العربية والسياحة الدولية
مقال بقلم : د. ضياء حلمي
الأمين العام المؤسس غرفة التجارة المصرية الصينية بالقاهرة وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية تقوم مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقتها الصين عام 2013، على أساس تجديد فكرة طريق الحرير التجاري القديم في القرن التاسع عشر والذي ربط الصين بالعالم، وتهدف المبادرة المعاصرة إلى توسيع حركة التجارة العالمية بمفهوم اقتصادي واجتماعي وثقافي حديث، وذلك من خلال إنشاء شبكات ذات تقنية عالية من الطرق البرية والموانئ البحرية والمرافق الأخرى عبر بلدان عديدة في آسيا وإفريقيا وأوروبا.. هم من نطلق عليهم أعضاء مبادرة الحزام والطريق.وكان أن أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، وهي عبارة عن مشروع بنية تحتية ضخم يهدف إلى توسيع الروابط التجارية بين العديد من دول العالم، من خلال بناء الموانئ والسكك الحديدية والمطارات والمجمعات الصناعية.وقال الرئيس شي جين بينغ في قمة عقدت في العاصمة بكين وقتئذ حضرها العشرات من رؤساء الدول: “إن التجارة هي المحرك الأهم للتنمية الاقتصادية.”وأضاف موضحاً فلسفة المشروع: “في سعينا لتنفيذ مشروع الحزام والطريق، لن تطأ اقدامنا السبيل القديم، سبيل الصراعات بين الأعداء، بل سنخلق نموذجا جديدا للتعاون والمنافع المشتركة”. 1وقال: “علينا ان نبني هيكلا مفتوحا للتعاون وان نساند وننمي اقتصادا عالميا مفتوحا.”وهنا يمكننا أن نتعرف على أساس المبادرة التنموية المهمة، ان لم تكن الأهم على الاطلاق في العصر الحديث – وهكذا أراها – .. اذ انها تتعدى أن تكون فكرة صينية حيث تحقق المنفعة للجميع، وبذلك تخطت فكرة التجارة فقط أو مفهوم التنمية الاقتصادية فقط بالرغم من حضورهما القوى (التجارة والاقتصاد ) ، ذلك أن المفهوم الثقافي والسياحي والاجتماعي بين دول المبادرة حاضراً ايضاً ، وفي الصدارة من أهداف المبادرة. وبلا شك تسعى المبادرة وعلى أساس الفوز المشترك إلى تعزيز الأواصر التجارية بين قارات آسيا وافريقيا وأوروبا بل والقارات الأبعد.ويشمل الاستثمار الصيني الذي يهدف الى تمتين علاقات الصين مع شركائها التجاريين 9 مليارات دولار على شكل معونات مباشرة للدول النامية والمؤسسات الدولية التي تشكل جزءا من مشروع الحزام والطريق.وأرصد أن الرئيس شي حاول في كلمة ألقاها امام المشاركين في القمة الأولى للمبادرة طمأنة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب التابع لها بأن المشروع – الذي يلقب بطريق الحرير الجديد – ليس وسيلة لتعزيز نفوذ الصين على المسرح الدولي، مشددا على أنه قد آن الأوان للعالم ليشجع التنمية الحرة، وبناء أنظمة جديدة وواقعية تتبع “قوانين تجارة واستثمار نزيهة وعقلانية وشفافة” من أجل صالح الجميع، وليس صالح جهة واحدة أو دولة واحدة. واذا ذهبنا بقراءة الحزام والطريق بشكل عادل ومحايد سترى أنها تهدف بالأساس الى التنسيق في ما بين السياسات الإنمائية الدولية، وإنشاء بنى تحتية أساسية ومرافق وشبكات حديثة، خاصة وأن هناك دول كثيرة تفتقد الى هذا أو على الأقل تحتاج بنيتها التحتية الى تطوير عاجل. 2هذا بالإضافة الى أن المبادرة تسعى الى تعزيز الاستثمار والعلاقات التجارية بين الدول في القارات المختلفة من أجل صالح الإنسانية والشعوب، كما سيكون من نتائج المبادرة تحسين التعاون المالي العالمي وتحويل العملات والذي أصابه الضعف والتأثر بسياسات الهيمنة المالية من طرف واحد، مما أدخل العالم في أزمات مالية عالمية بعضها بحكم النظام المالي السيء، وبعضها مصطنع من أجل الضغوط السياسية على الآخرين بغرض الارغام، أما الهدف الأخير من هذه المبادرة الشاملة فهو تكثيف التبادل الاجتماعي والثقافي والسياحي بين الدول والشعوب. وتشير الأرقام الى أن حجم الاستثمارات المخصصة للبنية التحتية في التجمعات الاقتصادية بالدول المختلفة ومحاور المبادرة في القارات المختلفة 26 تريليون دولار بحلول عام 2030 .وبمتابعة خريطة الأعمال وحجم المنجز منها على مدار عشر سنوات الآن فإن أثر مبادرة الحزام والطريق على التجارة العالمية إيجابي ورائع ومفيد، إذ أن حجم التجارة العالمي سيكون ضخماً بعد المبادرة بين الدول التي انضمت للمشروع، كما أن تكاليف التجارة الدولية ستنخفض بطبيعة الحال، وبالتالي زمن النقل الدولي سينخفض باعتبار وجود شبكة عالمية حديثة من الموانئ والطرق، وبعضها لم يكن موجوداً أصلاً. بل سيصل معدل الانخفاض في مدة الشحن الى ما بين % 1.7 و3.2 % في الدول المشاركة ً في ازمنة النقل بين البلدان الواقعة على طول الممر الاقتصادي الذي يصل بين الصين ووسط وغرب آسيا.وسنشهد اعلى نسبة انخفاض في التكاليف التجارية الإجمالية بنسبة تتراوح بين 1.5% و 2.8 % بين اقتصادات البلدان المنضمة الى المبادرة. الجدير بالذكر أن طريق الحرير القديم كان يمر بالأصل بالمنطقة العربية لهذا فإن العائد على العالم العربي والدول التي انضمت الى المبادرة المعاصرة كبير وضخم باستعادة ذاكرة التجارة مع الصين. 3وهنا نسجل أن المنطقة العربية تقوم بتوريد 40% من احتياجات الصين من النفط والغاز التي هي الطاقة اللازمة والضرورية للتنمية والصناعات والاستهلاك بالمدن الصينية أيضا، وبهذا تحقق مبادرة الحزام والطريق المنفعة المشتركة والمصالح الدائمة والتعاون المستمر، بديلاً عن الصراعات والتوترات والهيمنة.. وهذا أساس فلسفة الحزام والطريق. وبالفعل تم توقيع كثير من الاتفاقيات بين بعض الدول العربية والصين في اطار الحزام والطريق مع مصر والامارات العربية والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والمملكة المغربية ولبنان والعراق والكويت وقد ارتفعت بشكل مباشر الاستثمارات الصينية في هذه الدول العربية، حتى أن الاستثمارات الصينية في مصر وحدها ارتفعت بما نسبته 55% بعد المبادرة، وكان الحال شبيهاً في سلطنة عمان، حيث قامت الصين بتطوير أكثر من 40000 متر مربع بميناء الدقم في سلطنة عمان، وارتفع التبادل التجاري الصيني مع كل الدول العربية بشكل ملحوظ ومتزايد في اطار المبادرة. أما الصادرات السعودية والقطرية والعراقية النفطية الى الصين فقد تزايدت بنسب مئوية مرتفعة وغير مسبوقة.واذا كان الطريق البحري يحقق التعاون الاقتصادي ويشجع التجارة والثقافة ويسهل تحويل العملات فإنه ايضاً يحقق ويدعم الربط البحري الدولي ، والبحث العلمي والبيئي ، والأنشطة البحرية المختلفة. إذن الحزام والطريق هي شراكة استراتيجية من أجل الرهان العربي والعالمي على المستقبل، واختيار الجانب الصحيح من التاريخ بالتعاون مع التجربة الصينية الناجحة التي تقف على أرض صلبة من التقدم والاقتصاد والتكنولوجيا المتطورة. 4ومن زاوية أخرى تراهن مصر والسعودية والامارات والعراق وسلطنة عمان ودول عربية أخرى بتفاؤل على الحزام والطريق، من أجل دعم الإصلاحات الاقتصادية، وجذب الاستثمارات، وتطوير التجارة، وتحسين النظام المالي من أجل التنمية الشاملة المستدامة، ولمواجهة تحديات وأزمات العصر الاقتصادية. كما أن امتلاك الدول العربية الأعضاء في المبادرة سيكون من شأنه امتلاك هذه الدول مزايا نوعية، بما في ذلك امتلاكها بنى أساسية فائقة الحداثة وبيئة تشريعية وقانونية تحفز على نمو وازدهار الأعمال.كما أن الصين من جانب آخر تبشر بمصالح مشتركة لدول العالم، ولا تكتفى فقط بالتوقف عند منافسة تقليدية، مع الغرب والولايات المتحدة على رأسه.واذا نظرنا من زاوية آخري سنجد أن الحزام والطريق عبارة عن مجموعة مشاريع تخدم البيئة، وقابلة للاستمرار مالياً بلا فساد. ولا يمكن المرور في هذا الملف دون توضيح دور مصر وقناة السويس تحديداً في مبادرة الحزام والطريق، حيث تمثل قناة السويس والمنطقة الاقتصادية التابعة لها أهمية كبيرة في مرور التجارة العالمية بين افريقيا واسيا وأوروبا. يعزز من هذا الأمر أن العلاقات المصرية الصينية قوية وطيبة وتاريخية منذ أن كانت مصر أول دولة عربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية في منتصف القرن الماضي، كما أن العلاقات الاقتصادية الصينية المصرية متينة؛ وهناك أكثر من خمسين مصنعاً صينياً تعمل في منطقة السويس الاقتصادية بما في ذلك شركة «جوش» من أكبر المصانع للألياف الزجاجية في العالم وبهذا تشكل المنطقة جزء رئيسياً من مشروع قناة السويس الجديد الذي تأسس عام 2015م. 5وتعتبر الكويت من أوائل الدول التي وقعت مع الصين على وثيقة التعاون بشأن التشارك في بناء الحزام والطريق. وهذه الوثيقة تعني بالدفع والانخراط في الحزام الاقتصادي لطريق الحرير. وتعتبر الكويت ثالث أكبر شريك تجاري للصين في الدول العربية، وقد بلغ حجم التجارة بين البلدين في العام 2015م نحو 11 مليارات دولار، ووصلت الصادرات النفطية الكويتية إلى الصين 14 مليون طن.أما المملكة العربية السعودية فقد كانت هي آخر دول الخليج التي اعترفت بالصين وأقامت معها علاقات دبلوماسية عام 1990م. وحتى ذلك الحين لم يكن النفط يشكل أولوية وأهمية كبرى في علاقات الصين الدولية. لكن تطورت علاقات السعودية الصينية بسرعة على مدى العقود الثلاثة الماضية بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية، وبدأت الشراكة السعودية – الصينية في مجالات عدة في الطاقة والتجارة والتبادل الثقافي. بل تملك شركة أرامكو السعودية مصفاة في الصين في مدينة تشينغداو وأخرى في مقاطعة فوجيان، في حين بدأت الشركات الصينية في الاستثمار في الصناعة والبنية التحتية السعودية. فإذا ذهبنا الى الشراكة الاقتصادية بين الصين والامارات فهي شراكة قديمة، بدأت في العام 1980م، حيث أنشأ البلدان شراكة اقتصادية قوية، كما ان الإمارات مساهمة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وهو البنك الذي يعتبر الذراع المالي لمبادرة الحزام والطريق، ومن أوائل الدول الموقعة على المبادرة الصينية. كما تشمل العلاقات الثنائية بين البلدين مجالات التكنولوجيا، والطالقة، والغاز، والسلع الاستهلاكية، والخدمات، وصناعة السيارات والمنسوجات. وقد خفضت الإمارات علاقاتها مع تايوان للحفاظ على علاقاتها مع الصين في أفضل حالة، كما أنشأت الشركات الصينية مشروعات ضخمة في الإمارات، مثل نخيل دبي العالمية، والميناء، وفنادق، ومنتجات سياحية. وتهتم إدارة موانئ دبي العالمية بالعمل والاستثمار في الموانئ الصينية. 6أما المغرب فقد قامت بالتوقيع مع الصين على اتفاقية اقتصادية مشتركة عام 2022 تهدف إلى زيادة التعاون بين البلدين بشكل كبير في إطار مبادرة “الحزام والطريق” .وبموجب الاتفاقية، ستشجع حكومة الصين الشركات الصينية الكبرى على الاستثمار في المغرب في مختلف القطاعات، بما في ذلك صناعة السيارات والطيران والتكنولوجيا الفائقة والتجارة الإلكترونية وغيرها.وأصبح المغرب في عام 2017 أول بلد مغاربي ينضم إلى المبادرة.وتتضمن الاتفاقية إقامة مشاريع واسعة النطاق في مجالات التكنولوجيا، والتجارة، والزراعة.وينص الاتفاق أيضا على تعاون ثلاثي مع أفريقيا، لا سيما في مجال التنمية والمحافظة على البيئة.وبشكل عام فإن مبادرة الحزام والطريق تشجع التنمية الحرة وبناء أنظمة تتبع قوانين التجارة النزيهة والاستثمار الآمن والشفافية. كما أني شاهدت بنفسي وعند حضور جلسات قمة العشرين التي استضافتها الصين في سبتمبر 2016 بمدينة هانجتشو ودعيت اليها مصر كمراقب وضيف، حيث لمسنا رغبة الصين الجادة في اطلاع الدول الآخرى على خبراتها في مجال التنمية دون التدخل في شئون الدول، واستعداد الصين الحقيقي في نقل التكنولوجيا الصينية المتقدمة دون تحفظ. وهو ما ستدعمه عملياً مبادرة الحزام والطريق لتكون الدول الآسيوية والأفريقية والأوروبية وحتى دول الأمريكتين شركاء في بناء الحزام والطريق.حيث ترفض المبادرة أي شكل من اشكال الحمائية، كما تلتزم الصين والدول الأعضاء بالمبادرة بشكل مشترك ببناء اقتصاد مفتوح وضمان حرية النشاط الاقتصادي. مع الترويج لنظام تجاري شامل ومفتوح وغير تمييزي وعادل ومبني على القانون، نظام تكون منظمة التجارة العالمية في قلبه. 7فإذا ما تحدثنا عن أثر وانعكاس مبادرة الحزام والطريق على السياحة العالمية فإن الإجابة ستكون يسيرة ومحددة بالنظر الى المساحة الجغرافية الهائلة التي تغطيها الآن وستغطيها مستقبلا دول المبادرة. وبالتالي ستكون الحزام والطريق عاملاً محفزاً للحركة السياحية بين الدول الأعضاء والذين يمثلون أكثر من ثلثي تعداد الكرة الأرضية، ومن كل القارات. وبذلك يكون من البديهي أن نتوقع حركة سياحية ضخمة بين مواطني دول الحزام والطريق من ناحية، وحركة سياحية سهلة بين الموانيء الحديثة والطرق البرية الجديدة بين الدول الأعضاء بالمبادرة.. وهذا يجعل انتقال الأفراد سهلاً ومريحاً فيشجع المزيد من مواطني الدول على زيارة دول جديدة. ونؤكد على المتلازمة المشهورة والعبارة الشائعة التي تشير الى سهولة أو حرية انتقال الأفراد والبضائع، الأفراد للسياحة والبضائع للتجارة. وبانضمام ما يقرب من 160 دولة حتى الآن الى الحزام والطريق نستطيع التأكيد والجزم أنها مشروع القرن الحادي والعشرين الذي أصبح واقعاً ملموساً ، بل أملاً منتظرا للعديد من الدول والمؤسسات والأفراد على مستوى العالم.