أحمد الجويلي يكتب.. صراع الطين والنار: الهدف مصر والممر فلسطين.. الحرب لم تنتهي بعد !

المقاييس تختل والمُتغيرات في حالة تسارع مخيف، العالم اصبح يمر بوضع أشبه بمرحلة إعادة التشكيل من جديد، والصراع مازال مستمراً على أشده، فلسطين ممراً وليست هي المحور الرئيسي للصراع.
الكيان الصهيوني منذ بداية تمويل الفكرة بجدية عام 1897 في المؤتمر الصهيوني الأول عبر المجدد المؤسس ثيودور هرتزل عمدت على تحويل الفكرة الاستيطانية للمنطقة العربية بالوكالة عن الكيانات الاستعمارية، إلى فكرة دينية ليكون صراع أديان وليس صراع اصحاب الارض مع الكيانات الاستعمارية الكبرى وتشجيع الهجرات الأولى من الأماكن التي لم يكن اليهودي فيها كعنصر مضطهد فيهاجر بقوة الوازع الديني، ومن هنا كان لابد من حدوث التغييرات في نقاط القوة لتظهر الولايات المتحدة الأمريكية لسد فجوة بريطانيا بعد انتهاء الدور المباشر لها، فما حدث هو توارت كي تتحكم في زمام الاستراتيجية خلف الستار!..
وحين نسقط التاريخ على الواقع نجد أن التاريخ يعيد نفسه ولكن مازالت الحكمة غائبة فلسطين ممر والموارد هدف والجائزة الكبرى مصر.
ومن هنا كان لازاماً فصل قطبي الوطن العربي صاحب اللغة الواحدة والدين الواحد “إسلام ومسيحية”، عبر دولة استعمارية بالوكالة عن القوى الكبرى في الجانب الآخر من البحر، كي تكون الأرض ممهدة لسرقة موارد الشرق العربي، فنحن في نظرهم غويم “أي بهائم” لا تستحق ما تملك من موارد وعلى الجنس الأرقى التحكم بها بالسُخرة كالعبيد أو أقل!.
هو غرور أشبه بغرور النار حين عصت الأمر الإلهي الأول، وبالتالي استكمال للمخطط هو تغيير المفاهيم، الوطن العربي أصبح الشرق الأوسط الكبير وبحر العرب أصبح المحيط الهندي، وذلك لدخول أطراف أخرى في المعادلة لديهم نفس الحلم المشترك وإن شئت قل نفس الحقد!..
وهم أطراف لم تكن أبدا جزء من المكون العربي، ولكننا نتعامل معهم كونهم مكون أساسي في معادلة من الطبيعي أن تلفظهم، الفرس لديهم نفس الحلم بالتحكم والسيطرة أن لم تكن مطلقة فـ بالوكالة، وإعادة مُلك كسرى عبر الدين الإسلامي وهي فرصة قوية للعب القوى الاستعمارية الكبرى على استراتيجية الدين،
الحروب على أساس عرقي ومذهبي لمنع أي اتفاق أو تقارب عبر كلمتان “سنة – شيعة”.
الولايات المتحدة تجيد اللعب على تلك الأوتار بالوكالة عن القوى الكبرى دون أن تترك مساحة للفرس بالتمدد الكاسح ولا بالانكماش النادر.
أما الأتراك فهم في نفس الوضع لديهم نفس الحلم والهدف بالعودة التاريخية عبر استخدام الدين بحكم تاريخهم الاستعماري والذي تحطم على يد محمد على باشا بأيادِ جيش مصر العظيم بتاريخه العريق.
وباللعب مع الأتراك كان لابد من دخول قبرص واليونان لمعادلة الصراع الدائر بين حُكام حلف شمال الأطلسي “ناتو”، هذا الحلف الهجومي من يوم إنشائه لأن الموارد الطبيعية لا تزال بكر في هذا الجانب من الشاطئ وبحكم العداء التاريخي.
أما عن الفرس فكانت هي الفزاعة الكبرى لدول الموارد العربية والتي أصبحت تمتلك نفس الحلم الاستيطاني مؤخراً وكأنها عدوى ممتدة.
وبالطبع كي يكون اللعب أكثر إثارة كان لابد من إحكام قبضة السيطرة على منغصات أصحاب الأحلام الاستعمارية لضمان الولاء والطاعة المستمرة والسير في الدور المرسوم بكل دقة وقوة.
والإسرائيليين بكل ما لديهم من طاعة للهدف المرسوم بدقة لكنهم في النهاية لديهم نفس الحلم الاستعماري للسيطرة عبر إقامة الدولة الكبرى التي يحكمون من خلالها العالم، الفزاعة الدائمة لهم فهي مصر.
أثبت التاريخ أن مصر هي التي تتحكم في موازين الأمور بجيشها الممتد بجذور قوية غير قابلة للتفكيك، مصر دولة كُتب عليها أن تقوم بدور ريادي استثنائي مهما كانت ظروفها عبر العصور، حيث أنه لا يوجد تحليل دون الغوص في تاريخ الصراع وأهدافه ومحركيه.
ولكي لا ننفصل عن الواقع وعبر امتداد الماضي علينا أن نُقر بأن الضغط الحاصل في الأحداث الإقليمية ليس وليد اللحظة بل له جذور في الماضي الى الحاضر ممتدة للمستقبل، فقد رأينا محور الأحداث داخل بوتقة أوروبا لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة، وبعد الإخلال بالقيم الأوروبية واهتزاز الوضع الأمريكي، حتى أننا كنا نتجهز لمشاهدة عالم جديد خارج الإطار المتعارف عليه!
ليعود محور الأحداث بعد سكون الاتفاقيات بين الأطراف الكبرى إلى الشرق من جديد، بعد أن تفجر الوضع فيما بعد تبعات السابع من أكتوبر الماضي عام 2023.
ويكون الحدث أكثر قرباً وتأثيراً من عمق مصر التي ورغم جِراحها الاقتصادية، كانت على الموعد بالدعم والمساندة واستضافة كل الأطراف الفلسطينية التي لم تتفق بعد على كلمة سواء لنخرج بمشروع وطني فلسطيني حقيقي يحقق الهدنة من أجل عدم تعريض الأبرياء للخطر.
ولأن الهدف الرئيسي هو تصفية القضية الفلسطينية والدخول في عمق الأزمة الإنسانية مهما كلف الأمر،
ليكون على المجتمع الدولي خلق وطن بديل للفلسطينيين وبالطبع سيناء هي المستهدفة.
ولكي تشكل جدار صارخ وجُرح غائر بين الشعب وجيشه الذي يقف أمام مخطط اقوى كثيرا من مجرد فكرة تصفية عرقية داخل أرض فلسطين، مصر بين استيعاب الوضع والوصول لفرض حلول على أطراف غير ملتزمة على الإطلاق كلاهما لديه نفس الهدف باختلاف الأساليب “إحكام السيطرة”، وبين صورتها ومكانتها التاريخية أمام شعبها عبر دعم فلسطين كفكرة دائمة حاضرة ومستمرة،، وبين أرض مستهدفة لا يمنع استهدافها اتفاقية ولكن يردعها الجاهزية والقوة الشعبية!!.
تقتطع من قوتها من أجل الجوار هو أساس المُكون المصري من قبل عهد الأسرات الأولى، وأفضل شاهد هو يوسف عليه السلام والله تعالى ﷻ هو خير الشاهدين،
فلا يمكن أن تتغافل مصر هذا الدور التاريخي كما أنه لا يمكن لشعبها أن يرفضه، حتى وان وصل المقابل لمرحلة الجحود لأن برفضه كأنما يرفض نفسه ومكونه الحضاري والتاريخي والأخلاقي، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذا الدور المستمر والكبير.
الإطار لم يعد كالسابق وإسرائيل تقودها حكومة قررت أن تلقي بكافة الأوراق على الطاولة لتحقيق إنتصار يمنع محاكمتها بعد انتهاء الوضع، فهي حكومة عنصرية خلقت وضعاً استراتيجياً غير محدد الملامح، وشكلاً شعبياً قلقاً متراجعاً لا يعيد الاتزان فيها إلا خروج منتظرهم “مشيح” المقدس.
تصفية حماس ليس الهدف، ولكن تصفية القضية هو الهدف وكأن الواقع يتحدث بتفكك جديد داخل إسرائيل من نفس نوع تفكيك الدول الأخرى مع تمدد أكبر من الجهات المقابلة حيث يضيع التاريخ ويضيع ممر الصراع، وتكون المواجهة حينئذ بين مصر ككيان شامخ وتاريخ وهُوية حتمية أمام مهندس الأحداث مباشرة وجهاً لوجه!.
مهما بسط بنيامين نتنياهو سيطرته على القطاع بإحكام وعنف ووحشية، فإن الحرب لم ولن تنتهي، وكل ما يحدث هو مجرد مقدمات يعاونهم فيها أطراف غير منضبطة وليست مدركة لتبعات الوضع مرحلياً أو مستقبلياً، سيكونون في خزي التاريخ، و من فصاعداً الآن مجابة ما يحدث من تغييرات بأي حلول سيكون مجرد مسكنات إلا إذا.. عُدنا كسابق عهدنا، كتلة واحدة وتوقفنا عن منطق غُثاء السيل، والاستعداد الكامل لما هو قادم، كما التسليم التام بأن القيادة لابد وان تعود مع كل الدعم الشامل لمكانها الطبيعي والأزلي أرض العِزة مصر.