أحدث الاخبار
ننشر ...كلمة سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية حياة وأعمال سيمون بوليفار في ندوة
كتبت: فاطمة بدوى
في ندوة القى سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية كلمة حياة وأعمال سيمون بوليفار اليوم الثلاثاء حاء فيها : السيدات والسادة، أسعد الله يومكم، باسم الشعب الفنزويلي النبيل، وبالنيابة عن رئيسنا الدستوري نيكولاس مادورو موروس وحكومة بلادي، أتقدم بتحية أخوية للشعب المصري الباسل، وجميع الحضور لهذه الفعالية. إنه لشرف عظيم أن أكون مع حضراتكم هنا اليوم لأتحدث معكم، في موجز قصير، عن رجل قارتنا الأمريكية العظيم، سيمون بوليفار، وعن حياته وعمله. وأتقدم لكم بخالص شكري لحضوركم. ولكن قبل أن أكمل حديثي، أود أن أشكر وزارة الثقافة المصرية الموقرة، ومعالي الوزيرة نيفين يوسف محمد الكيلاني، ومديرة قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بالوزارة، د. إيمان نجم، على تنظيم هذه الندوة التي تتيح لنا مشاركتكم القليل من تاريخنا. إن بوليفار رمز لفنزويلا مثله مثل علمها وشعارها ونشيدها الوطني، محفور في عقولنا وقلوبنا. إنه قائد استقلالنا الذي لا مثيل له. عاش 47 عاماً فقط. بالطبع كانت الأعوام الـ27 الأول لتشكيل شخصيته، إذ بدأت حياته العامة في عام 1810، حيث كرس عشرين عاماً من حياته جسداً وروحاً للوطن، ليس لفنزويلا فقط، لأن أمريكا بالنسبة له كانت هي الوطن. كان في الثلاثين من عمره حين منحته الشعوب، في احتفالية مبهرة، لقب المحرر. خلف ورائه خمس جمهوريات – ستة في وقتنا الحالي – والتى تُعرفه كلاً منهم بأبي الأمة: وهم فنزويلا، وبوليفيا، وكولومبيا، وإكوادور، وبنما، وبيرو. بوليفار، ابن كاراكاس، اسمه الكامل سيمون خوسيه أنطونيو دى لا سانتّيسيما ترينيداد بونتا إي بالاسيو. ولد في مدينة كاراكاس الصغيرة والمتواضعة آنذاك، في سفح تل الأبيلا المدهش، الذي يسمى في لغة سكان الكاريبي الأصليين “Waraira Repano”، وتعني “الموجة التي تأتي من بعيد أو البحر الذي أصبح يابسة”، فهناك خَطَى بوليفار خطواته الأولى. ولد في 24 من يوليو 1783، آنذاك كان يبلغ السيد فرانسيسكو دى ميراندا، الجنرال، رائد الاستقلال الوطني، 23 عاماً. في ذلك الوقت نالت الولايات المتحدة استقلالها. كان بوليفار طفلاً عندما اندلعت الثورة الفرنسية التي أصدرت إعلان حقوق الإنسان والمواطن. حين ولد بوليفار، كان هناك شاب في الرابعة عشر من عمره يعيش في كورسيكا، هذا الشاب هو نابليون بونابرت. كان يتيماً، سليل عائلة اسبانية استقرت في فنزويلا (كانت هذه هي الطبقة ذات النفوذ في ذلك الوقت). كان لديه ثروة كافية، إذ أنه ابن واحدة من أكثر العائلات ثراءً في كاراكاس، ومما يثير الإهتمام أننا يمكننا أن نقول أنه كرسها كلها تقريباً لهدفه وهو “الاستقلال”. كان والده، السيد خوان بيسنتى بوليفار إي بونتى، عقيد بالجيش الإسباني، ترجع أصوله إلى إقليم الباسك وقشتالة وجاليسيا وجزر الكناري، توفي عندما كان يبلغ الطفل سيمون من العمر عامين ونصف. وتوفيت والدته السيدة كونسبسيون بالاسيوس إي بلانكو عندما بلغ التاسعة من عمره. كان أصغر إخوته الخمسة. تولى تعليمه معلمون من الدرجة الأولى، من بينهم: السيد سيمون رودريجز، معلم ذو شخصية استثنائية وصاحب التأثير الأكبر على تلميذه؛ السيد أندريس بيّوس، أحد أعظم رجال العلم والمعرفة في أمريكا اللاتينية. كذلك كان الأب أندوخار معلمه الذي علمه الرياضيات. سافر فيما بعد إلى أوروبا لاستكمال دراسته للرياضيات في أكاديمية سان فرناندو. تعلم الإنجليزية والفرنسية والإيطالية من أفضل معلمي مدريد، كل هذا تحت إشراف الحكيم ماركيس دى أوستاريس، الذي عاش بوليفار في منزله. تلقى منذ صغره دروساً في الرقص وركوب الخيل. وفي سياق الحديث عن تعليمه، عندما أصبح رئيساً لكولومبيا، قال لمعلمه السيد سيمون رودريجس: “أقول لك كل هذا، حتى لا تعتقد أن رئيسك قد تلقى تعليماً سيئاً مثلما يقول السيد مولين – مؤرخ فرنسي-. بالفعل أنا لم أدرس فلسفة أرسطو، أو قوانين الجريمة والخطأ؛ لكن لعل السيد مولين لم يدرس قدر ما درسته أنا عن لوك وكوندياك وبوفون ودالمبير وهلفتيوس ومونتسكيو وبرتو ومابلي وفيلانجيين وروسو وفولتير ورولين وبيرتوي وكل كتاب الكلاسيكية الحديثة في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وجزء كبير من الإنجليز”. قبل أن يكمل الرابعة عشرة من عمره، أنضم إلى كتيبة قوات أراجوا، وفي السادسة عشرة من عمره سافر إلى إسبانيا. ولم تتسنى الفرصة بعد لشخصية بوليفار التي كانت تتشكل أن تظهر والتي ستجعله قائد حركة الاستقلال بلا منازع. بالطبع، بدأت شخصيته تبرز، إذ أنه كان يبدي مع مرور الوقت ذكاءً متقداً وشخصية جذابة غير عادية ومزيج نادر من الشجاعة والحزم، الذي في الأوقات الحاسمة يتخذ القرارات الأكثر جرأة لخدمة الأهداف الأكثر عناداً والمشاريع المدروسة بدقة. استغرقت هذه الرحلة إلى أوروبا ثلاث سنوات فقط، تحررت شخصيته خلالها من المكون الأمريكي، بالتعامل مع البلاط الملكي الإسباني رفيع الشأن. ليمعن النظر عن قرب في الحكم الملكي لعائلة البوربون وبدأت فكرة تحرر أمريكا الإسبانية تتولد في عقله. أحب ماريا تيريسا ديل تورو ألايسا قريبته المدريدية التي وقع في غرامها، وتزوجها. عاد إلى كاراكاس برفقة زوجته الجميلة، التي أنجذبت إلى العالم الجديد، فذهبت معه إلى كاراكاس ثم إلى ممتلكات العائلة في سان ماتيو، بآراجوا. لكن سوء الحظ كلفهما مغامرتهما الرومانسية، فبعد عدة أشهر، في يناير 1803، أنتزعت الحمى الصفراء من الشاب بوليفار حب حياته. بدأت حينها المرحلة الأكثر حزناً في المآسي التي عاشها، فإن الألم الذي لم يدعه ينام هو ما دفعه نحو آفاق أخرى. عاد إلى فرنسا، حيث ألتقى بمعلمه العزيز، السيد سيمون رودريجس. سافرا معاً إلى إيطاليا ومرا بآثار الأسلاف، وشاهدا مسيرة جيوش نابليون المهيبة التي تسيطر على أوروبا بيد من حديد سعياً لتوحيدها. تحمل روحه أفكار متناقضة، لكن قراره واضحاً وبالفعل اتخذه. في مونتى ساكرو، المطل على روما، أقسم أمام معلمه: “أقسم أمامك، أقسم برب أبائي، وأقسم بهم، وأقسم بشرفي وأقسم بوطني، بألا تستريح ذراعي أو تستكين روحي حتى أكسر القيود التي تقمعنا بإرادة السلطة الإسبانية.” أستغرقت هذه الرحلة الثانية أربع سنوات. وفي طريق عودته زار الولايات المتحدة. الآن أصبحت لديه رؤية شاملة عن العالم الجديد. عاد إلى فنزويلا في 1807 وتستحوذ على عقله فكرة واحدة: الاستقلال. إنه ثوري، ليس كهؤلاء الذين جل همهم هو تدمير النظام القديم، بل إلى جانب هدف إلغاء الحكم الأجنبي في أمريكا كان ما يشغله هو بناء نظام قضائي وسياسي جديد قائم على الحرية والعدالة، طبقاً لما هو عليه العالم الجديد. هكذا قال في خطاب أنجوستورا، في فبراير 1819: “دعونا لا ننسى أبداً أن براعة الحكومة لا تتمثل في نظريتها أو شكلها أو آليتها، بل في كونها تتناسب مع طبيعة وشخصية الأمة التي أُنشئت من أجلها. وهذا هو القانون الذي يجب أن نتبعه وليس قانون واشنطن.” في الـ19 من إبريل 1810، أعلن بوليفار صيحة الاستقلال، فأرسلته حكومة كاراكاس، التي كانت تحمي حقوق الملك فرناندو السابع، على رأس بعثة دبلوماسية أمام بلاط سانت جيمس الملكي، بالمملكة المتحدة. لم تحقق البعثة هدفها، ولكنها أتاحت سبلاً ستمد فيما بعد الكفاح المسلح في فنزويلا بدعم حقيقي. عاد إلى فنزويلا، ليس فقط كعضواً في البرلمان، بل شخصية بارزة في المجتمع الوطني، ومركز أضواء كل المصالح الثورية للاستقلال والعمل الوطني، إذ عبر عن ذلك في خطاب حماسي ألقاه في الـ19 من إبريل: “ألم يكفي 300 عام من الاستكانة؟… هيا نضع حجر الأساس لحرية أمريكا الجنوبية؛ التردد يعني أن نضل طريقنا.” ومنذ هذه اللحظة كانت قد تشكلت بالفعل شخصية الذي سيكون بلا منازع قائد التحرر. في الخامس من يوليو 1811، وقع البرلمان وثيقة الاستقلال ما نتج عنه رد من جانب القوات الإسبانية بقيادة دومينجو دى مونتبردى، وهو بحار جريء كان قائد القوات الإسبانية في فنزويلا آنذاك، تمكن من استعادة السلطة، بمساعدة الخائنين الموالين للاستعمار الذي دام لقرون. أُعلِن السيد فرانسيسكو دى ميراندا ديكتاتوراً، وهو عسكري فنزويلي له مسيرة عالمية، شارك في حرب الولايات المتحدة الأمريكية والثورة الفرنسية ولهذا يظهر كواحد من الأبطال على قوس النصر، كما أنه خدم في جيش كاترين العظيمة، إمبراطورة روسيا. فشل الجنرال – ميراندا – في السيطرة على الوضع واستسلم أمام مونتبردى. ألقى الشباب الثوريون وعلى رأسهم سيمون بوليفار القبض على ميراندا لفشله في واجبه وهو البقاء كضامن للشروط المتفق عليها وبالتالي مُنع من المغادرة كما كان مخطط. غادر بوليفار فنزويلا وتوجه إلى اتحاد غرناطة الجديدة الكونفيدرالي (جمهورية كولومبيا اليوم)، وبمساعدة وطنى عظيم، وهو الجنرال الغرناطي نارينيو، نظم جيشاً استكشافياً لدخول فنزويلا. وفي عام 1813 تجلت عبقريته العسكرية للجميع؛ إذ دخل الدولة من الغرب في مارس، وفي السادس من أغسطس دخل كاراكاس منتصرًا، بعد انتصارات رائعة حققتها الحملة العسكرية التي عرفت بـ”الحملة المثيرة للإعجاب”. وهي أيضا السنة التي حصل فيها على لقب المحرر الذي منحته إياه بلديتا كاراكاس وميريدا. وقال بوليفار عن لقب المحرر: «محرر فنزويلا، بالنسبة لي هو أعظم لقب وأكثر إرضاء من حكم كل إمبراطوريات الأرض.» أصدر في العام نفسه مرسوم الحرب حتى الموت وظهر مفهوم الهولوكوست. وقع هذا المرسوم في تروخيّو وأعلن المرسوم الرهيب. وفي المكان نفسه، بعد بضع سنوات في عام 1820، وقِعت اتفاقيتا الهدنة وتسوية الحرب، التي كما قال المحرر ستجعلا “حب السلام، الذي يكنه المدافعون عن قضية العدل” يتوهج. عام 1814، كان عام النكبات؛ فبعد كل الجهد الذي بذل ضاعت الجمهورية الثانية. قاد بوليفار التهجير المأسوي لأهل كاراكاس إلى الشرق، فقد استولى الإسبان على العاصمة من جديد. في مدينة كاروبانو، في 7 سبتمبر، أصدر بوليفار المزيد من وثائقه المهمة؛ “عريضة كاروبانو”. بدأ الموت يطارده، من الآن فصاعداً عليه أن يكون “رجل المصاعب” أكثر من أي وقت مضى، فبعد كل هزيمة تأتي معركة جديدة. ذكر الجنرال الإسباني بابلو موريّو، قائد القوات الإسبانية في فنزويلا، بعد سنوات في تقرير أرسله لملك إسبانيا: “إن بوليفار المهزوم مخيف أكثر من بوليفار المنتصر”، وقال كذلك: “لا يهدأ ولا يتنازل عن كفاحه”. عاد بوليفار إلى غرناطة الجديدة للمثول أمام البرلمان، حيث قال له كاميلو تورّس، رئيس برلمان غرناطة الجديدة: “لن يموت وطنك طالما سيفك موجود”. سافر إلى كينجستون، جامايكا، ونشر هناك في 6 سبتمبر 1815 وثيقة عظيمة أخرى تعرف بـ”رسالة جامايكا”، وثيقة تنبؤية حلل فيها أسباب ثورة أمريكا الإسبانية ووصف بخط يده مصير أوطاننا. وبينما كان في كينجستون، هرب من محاولة اغتيال ضده. بعد ذلك سافر إلى هايتي، وبمساعدة رئيس هايتي ألكسندر بيتيون، نظم بوليفار “حملة ليس كايس” من أجل العودة إلى فنزويلا. باءت المحاولة الأولى بالفشل لأسباب شتى. أما الثانية فكانت ناجحة، حيث كان على المحرر أن يواجه قائداً عسكرياً إسبانياً جديداً، ألا وهو القائد العسكري ذو الخبرة الكبيرة الجنرال بابلو موريّو، أحد المنتصرين في الحروب النابليونية. ومن هنا يبدأ المرحلة النهائية في ملحمة التحرر، بدخول ولاية بوليفار من جهة الشرق تحديداً، حيث جعل مدينة أنجوستورا (بوليفار حالياً) مركز نشاطه السياسي والعسكري. حاولت بعض الشخصيات البارزة ممن حاربوا من أجل الاستقلال عقد مؤتمر للإعتراض على قيادة بوليفار للحرب. لكن التاريخ يشير إلى هذا الاجتماع بازدراء باسم “مجلس كارياكو”، بصرف النظر عن شخص حاضريه. وفي هذه الأثناء، دعى المحرر لعقد مؤتمر يحاط بكل الجلالة في الـ15 من فبراير 1819 وألقى أمام هذا المؤتمر خطابه الشهير خطاب أنجوستورا، أحد أهم الوثائق التي كتبها وأحد أكثر النصوص ثراء في الأدب السياسي، ليس في أمريكا اللاتينية فقط، بل في العالم أجمع حسب ما قاله المؤرخون. ويقول بوليفار في هذا الخطاب: “إن نظام الحكم المثالي هو الذي يمنح أكبر قدر ممكن من السعادة، أكبر قدر من الآمان الإجتماعي وأكبر قدر من الاستقرار السياسي”. وفي الحال كرس نفسه لتنظيم الدولة، فأسس جريدة “بريد الأورينوكو” لنشر معلومات عن الحياة القومية والدفاع عن أهدافه. عبرت شهرته المحيط وذهب عدد كبير من الشباب الأيرلندي والإنجليزي، مثل الجنرال أوليري والكولونيل فاريار، وشباب من جنسيات أوروبية أخرى ليحاربوا من أجل استقلال أمريكا الجنوبية، يجذبهم بريق أعماله البطولية الباسلة. تنبئ من كاساكويما، وهو متعب ومرهق من كثرة النكسات، وأعلن النجاحات المستقبلية التي ستُتَوج بتحرير بيرو مثلما كان يحلم. في 1819، حقق أعظم انجازاته العسكرية، وهو عبور سلسلة جبال الأنديز، عبر نهر بيسبا الذي يستحيل عبوره، وبخسارة كبيرة في الأرواح والموارد، فاجأ القوات الإسبانية كلياً وانتصر عليهم في جاميثا ومعركة مستنقع بارجاس. واختتم انتصار بوياكا، في الـ7 من أغسطس، استقلال كولومبيا وفتح له أبواب بوجوتا، إحدى المدن التابعة للتاج الإسباني، بكل ما تحتويه من موارد. لم يعد من الممكن أن يُنظر إليه كونه محارباً يملك ثروة وحظ؛ فقد أصبح رئيس دولة لأمة تنهض. وفي الـ17 من ديسمبر (ويصادف هذا اليوم يوم وفاته في الـ17 من ديسمبر بعد 11 عاماً من هذه اللحظة)، صدق البرلمان على القانون التأسيسي لجمهورية كولومبيا. قيم الجنرال الإسباني بابلو موريّو الوضع واقتنع بأن الاستقلال أمر واقع لا محالة. وبناء على ذلك، وقِعت اتفاقيتي تروخيّو، كما دفعه إعجابه الشخصي ببوليفار إلى دعوته إلى مقابلة تاريخية، جرت في الـ27 من نوفمبر 1820، في قرية سانتا آنا بمقاطعة تروخيّو – فنزويلا. بعد ذلك، ظل يتقدم دون توقف، يحقق انتصاراً تلو الأخر. وفي الـ24 من يونيو 1821، في سهول كارابوبو، حرر فنزويلا نهائياً. وفي الثاني من أكتوبر 1821، أدى اليمين رئيساً لكولومبيا أمام المجلس الذي اجتمع في منطقة بيّا ديل روساريو بمقاطعة كوكوتا. في 7 إبريل 1822 انتصر في معركة بومبونا. وفي الـ24 من مايو 1822، ظفر بالنصر أكثر ضباطه ذكاءً، الجنرال الشاب أنطونيو خوسيه دى سوكرى، الذي أصبح فيما بعد مارشال أيّاكوتشو. ضمن لهم هذا النصر الذي حققه استقلال كيتو، التي أصبحت جزءاً من كولومبيا العظمى في الـ13 من يوليو. في الـ27 من يوليو، عقد سيمون بوليفار لقاء في جواياكيل مع محرر الجنوب العظيم، الجنرال خوسيه دى سان مارتين. أرسل قوات دعم إلى حملة بيرو العسكرية، حيث تمت دعوته لاحقاً بشكل رسمي. وصل إلى كاياو في الأول من سبتمبر 1823، وبعد أن تخطى عقبات كثيرة، نال النصر في معركة جونين في الـ6 من أغسطس 1824. أثناء حملة الجنوب هذه، كان على المحرر أن يواجه مرض خطير أصابه في مدينة باتيفيلكا. ولكن شجاعته، كما يروي السيد خواكين موسكيرو القاضي والدبلوماسي ورجل الأعمال والسياسي الكولومبي، في خضم حربه مع المرض تحلل الوضع السياسي ونقص الموارد وحالة الوهن التي يمر بها، وحين سُئل ما الذي تخطط لفعله؟، أجاب إجابة قاطعة من كلمة واحدة: “أنتصر”، كلمة سُجِلت بأحرف لا تمحى. في الـ9 من ديسمبر 1824، في بامبا دى لا كينوا، بالقرب من أياكوتشو، نال الجنرال سوكرى النصر النهائي، حيث سلم نائبُ الملك “لا سيرنا” مع سيفه السيادة الاسبانية على أمريكا. قبل يومين، أرسل المحرر من ليما دعوة إلى حكام أمريكا الإسبانية إلى مجلس بنما، من أجل إبرام اتفاقية ائتلافية للوحدة السياسية بين الدول الجديدة وتأسيس أمة من الجمهوريات. بعد انتصار أياكوتشو، بناءً على رغبة شعب بيرو العليا، تأسست جمهورية جديدة وسميت بوليفيا، تخليداً لذكرى البطل، هذا هو التكريم الأكبر والدائم الذي منحوه إياه وهو في قمة مجده. هذه هي السنوات التي حصل فيها بوليفار على أعلى درجات التكريم وعانى من أفظع خيبات الأمل. ففي ذلك الوقت كانت تهاجم الانقسامات والنزعة القومية طموحاته، ولذلك لم يسفر مجلس بنما عن النتائج المرجوة. يصف خصوم بوليفار رؤيته للعظمة قائلين: “كرؤية قيصر. يعتمد الطامحون لحكم محلي على نفور المواطنين من الأبطال العالميين السابقين الذين تحولوا إلى أشخاص تستغل مناصبها ومكانتها، كما يعتمدون على تعلق الشعوب بموطنها الأصلي، منعزلين عن بعضهم البعض لصعوبة التواصل في هذه الحقبة”. عاد إلى كولومبيا لحل مشكلاتها. أما في فنزويلا، كان الجنرال بايس، الذي منحه بوليفار ترقية إلى منصب القائد الأعلى للقوات لأدائه الاستثنائي في معركة كارابوبو، يدير شئون الحكم في فنزويلا. أصبح بايس متحدثاً باسم الحانقين وأعلن في بيان مجالس البلديات انفصال فنزويلا عن كولومبيا العظمى. كانت حركة “لا كوسياتا” الانفصالية هي سبب عودة بوليفار إلى كاراكاس في 1827 وحين وصول ابن كاراكاس العظيم، ضعفت وتقلصت الحركة الإنفصالية. كان بوليفار يعيش أسعد أوقات حياته، لكن كان يتحتم عليه العودة إلى عاصمة كولومبيا العظمى ومنذ رحيله عاد المحرضون أصحاب المناصب يزرعون من جديد سخط النزعة الانفصالية في فنزويلا، وظلوا يُنّمون هذا الشعور حتى نالوا غرضهم في 1830، أي الانفصال النهائي عن كولومبيا العظمى، ملقين خلف ظهورهم حلم المحرر بتأسيس كتلة تخلق قوة موازنة أمام العملاق الشمالي (الولايات المتحدة الأمريكية). وفي هذه الأثناء، دعى لانعقاد جمعية تأسيسية لتجديد أسس الدولة، وهي جمعية أوكانيا التأسيسية، التي انتهت بالإنشقاق والخلاف، مما دفعه إلى تولي حكم ديكتاتوري لا مفر منه. أطلق عليه المعارضون طاغية، وكادت محاولة الإغتيال تنجح، ففي ليلة الـ25 من سبتمبر 1828، نجى المحرر بمعجزة بسبب وجود مانواليتا ساينس في الوقت المناسب، وهي إكوادورية سجلها التاريخ باسم “محررة المحرر”. في 1830، دعى إلى مجلس جديد عقد في بوياكا في شهر يناير، ترأسه الجنرال سوكرى، الذي بذل قصارى جهده ليمنع الانفصال ويعيد الوحدة مع فنزويلا. ولكن بات كل شيء دون طائل، وقال القدر كلمته، وكان الأمر مروعاً. إذ قُتل الجنرال سوكرى في الرابع من يونيو، في جبل برويكوس، عندما كان في طريقه متجهاً إلى الإكوادور. ومن ناحية أخرى، كان يخشى برلمان فنزويلا من أن يبدد وجود المحرر المشاريع الانفصالية مرة أخرى، فأقصاه عن أرض الوطن، ليكون ذلك هو الإساءة الأكثر قسوة وأكثر الأحداث التاريخية حزناً بجمهوريتنا. في كولومبيا، قَبلَ البرلمان استقالة المحرر وتولى الرئاسة صديق الكفاح الحميم، الجنرال رافايل أوردانيتا، الذي ألح عليه بالعودة، ولكن المحرر قد كان في طريقه إلى ساحل المحيط الأطلسي ليسافر إلى أوروبا. لم يعد يرغب في العودة وتدهورت حالته الصحية السيئة، حتى بلغ نهاية حياته في كينتا سان بيدرو أليخاندرينو، في سان مارتا، كولومبيا، حيث استضافه نبيل اسباني يدعى، خواكين دى ميير واعتنى به الطبيب الفرنسي أليخندرو بروسبيرو ريفيروند. كان بوليفار يعلم أنه سيموت، فاستعد لذلك تاركاً أخر رسالة له التي أعرب فيها عن أخر أمنياته، وعرض التضحية بحياته في سبيل الابقاء على اتحاد كولومبيا العظمى. وها هو نص الرسالة (اسمحوا لي بأن أتلوها عليكم): أيها الكولومبيون! لقد رأيتم جهودي لرفع راية الحرية حيث كان يسود الطغيان فيما مضى. لقد عملت بإيثار، وتخليت عن ثروتي وراحتي. تنحيت عن الحكم حين أقتنعت أنكم تشككون في أنني أعمل دون السعي لمصلحة ذاتية. أساء أعدائي استغلال سذاجتكم وأساءوا إلى أقدس الأشياء عندي؛ سمعتي وحبي للحرية. لقد كنت ضحية مضطهديني، الذين دفعوا بي إلى أبواب اللحد. وأنا أسامحهم. وبينما اختفي من بينكم، تحدثني عاطفتي بأنني يجب أن أفصح عن أمنياتي الأخيرة. لا أطمح إلى أي مجد أخر سوى توحيد كولومبيا. عليكم جميعاً أن تعملوا من أجل منافع الاتحاد النفيسة: تطيع الشعوب حكوماتها الحالية حتى تتحرر من الفوضى وعدم وجود سلطة حاكم، يوجه رجال الدين صلواتهم إلى السماء، يستخدم العسكريون سيوفهم في الدفاع عن الضمان الاجتماعي. أيها الكولومبيون! إن دعواتي الأخيرة هي تحقيق سعادة الوطن. وإذا كان موتي سيساهم في إيقاف الفِرقة
وترسيخ الاتحاد، فسأنزل إلى القبر في هدوء. مزرعة سان بيدرو، بسانتا مارتا، في العاشر من ديسمبر لعام 1830 وهكذا كانت عظمة بوليفار. توفي في الـ17 من ديسمبر 1830، وهو في السابعة والأربعين من عمره فقط، ولكن تترد عبارة تشوكى وانكا البليغة، من بيرو: “مع مرور الوقت سيزداد مجدك كما يزداد الظل عند غروب الشمس”. ترقد رفاته اليوم في البانثيون (مقبرة العظماء) الوطنية في فنزويلا. لم يتمكن المحرر من ترسيخ الحياة الدستورية في الدول الجديدة. وفي عامه الأخير أعرب في رسالة إلى البرلمان: “أخجل حين أقول: أن الاستقلال هو الخير الوحيد الذي حققناه على حساب الآخرين”. ولتلخيص رحلته، لقد تصور أن كل
شيء قد انتهى بالفشل؛ فقال “لقد حرثنا في البحر”. لكن لا، لم يحرث في البحر. ستظل صورته عظيمة فوق كل معاصريه في النضال والكفاح. إن دراسة أفكاره تصفه بأنه أحد أروع أصحاب الرؤى في المجال السياسي وواحد من أذكى مؤسسي فلسفة الدولة، كما أنه أحد أكثر من فطنوا لواقع الشعوب. ولا يزال فكره حي حتى اليوم أكثر من ذي قبل إزاء واقع زماننا. إن الوثائق التي كتبها المحرر محفوظة في الأرشيف القومي التابع للأمة، في 280 مجلداً، ويقدر المؤرخون عدد هذه الوثائق بخمسة آلاف وثيقة بين رسائل مراسيم وإعلانات. أما بالنسبة للأمم التي حررها؛ فنزويلا، كولومبيا، إكوادور، بيرو، بوليفيا وبنما فهو والد الأمة وسيظل كذلك. إن صوته عند أمريكا اللاتينية كلها رسالة وصورته نموذجاً لأكثر الطموحات نبلاً وسخاءً. من النحاس أو الرخام، إن بوليفار موجود، في كل القارات تقريباً – لكي لا أقول كلها – وفي كثير من عواصم العالم. هنا نراه في قلب القاهرة، واقفاً بنظرته التي تحلق نحو المستقبل. أراه بفخر، ها هو “والد الأمة”. شكراً لك يا مصر على استضافة رجل قارتنا الأمريكية العظيم، المحرر سيمون بوليفار في كنفكِ. ابن كاراكاس الذي أصبح عالمياً. يحيا بوليفار! بوليفار هو أمريكا اللاتينية! بوليفار هو فنزويلا! شكراً جزيلاً